نظرة تاريخية حول الدراسات الكردية

جويس بلو (ولدت في 18 آذار 1932 في القاهرة), لغوية متخصصة في اللغة والأدب الكردي.

شارك هذا المقال:

حديث مع جويس بلو [1] – الحديث أجرته كليمانس سالبير يوسيلClémence Scalbert Yücel  (باريس 14-6- 2006) – ترجمه عن الفرنسية: أحمد حسن.

 

القسم الأول

ص. إ. د. ت.[2]  : بدايةً أودّ أن أسألكِ كيف بدأت بالاهتمام بالقضية الكردية. كيف جرت لقاءاتكِ الأولى مع الكرد؟ كيف بدأتِ بالعمل في الجامعة حول هذه القضية؟

جويس بلو: غالبا ما يكون للمصادفة محاسنها في الحياة. ففي عام 1959 التقيت بالأمير كاميران عالي بدرخان في باريس. و كنت حينذاك طالبة في المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية[3] حيث كنت أحضّر دبلوما في اللغة العربية. و كان الأمير يدرّس في المدرسة ذاتها. كان حينها يبحث عن العون لإطلاع الشعب الفرنسي على وضع الكرد,  و بصورة خاصة في العراق. وقبل ذلك بعام واحد أي في عام 1958, أطاح الانقلاب الذي قاده ” الضباط الأحرار” بالمَلَكية في العراق, فتحسّن وضع الكرد من جهة الاعتراف بهويتهم القومية. و قد كان ذلك أمرا جديدا في تاريخ الكرد.

كنت في ذلك الوقت عضوا في مجموعة يسارية مناضلة عرَضَت المساعدة على الأمير: كنّا نهتم بإعداد” النشرة الإعلامية لمركز الدراسات الكردية” و نشر ” أخبار كردستان”. كنا نضرب النصوص التي تصلنا من الأمير على الآلة  الكاتبة على الورق المشمّع, و نطبعها و نساعد على نشرها. كنّا نسدي له الخدمات في مجال الدعاية بشكل خاص. هكذا التقيت بالأمير بدرخان الذي حدثني عن الكرد و عن القضية الكردية و كان هذا أول احتكاك لي بالعالَم الكردي.

ص. إ. د. ت.  : أعتقد أن هذه المجموعة كانت على صلة بـ” هنري كورييل”[4], أليس كذلك؟

جويس بلو: بلى, كان هنري كورييل يقود المجموعة و كنت عضوا فيها.

ص. إ. د. ت.  : هل هذا هو الأمر الذي قادكِ نحو القضية الكردية؟

جويس بلو: نعم, كانت المجموعة التي يقودها هنري كورييل تساعد عددا من الحركات القومية, و ضمن إطار هذه النشاطات النضالية التقيت بالأمير كاميران.

ص. إ. د. ت.  : كيف قدمتِ من مصر إلى فرنسا؟ و من ثمّ إلى مدرسة اللغات الشرقية ؟

 جويس بلو: وصلت إلى فرنسا عام 1955 و سجّلت في مدرسة اللغات الشرقية عام 1956. و بعدها بثلاثة أعوام حصلت على شهادة في اللغة العربية. كذلك حصلت على شهادة في الكردية و في الفارسية من هذه المدرسة.

ص. إ. د. ت.  : إذن وصلتِ إلى فرنسا…

جويس بلو: وصلت إلى فرنسا في ظروف صعبة. لقد تمّ إبعادي من مصر, فوجدتني في باريس حيث استقبلني بعض الأصدقاء. و على الفور كان عليّ أن أكسب قوتي و أن أجد منحى جديدا لحياتي فشجّعني هنري كورييل على متابعة الدراسة.

ص. إ. د. ت.  : إذن سجّلتِ في اللسانيات, في قسم اللغة العربية, مباشرةً ؟

جويس بلو: نعم, سجّلت مباشرةً في قسم اللغة العربية في مدرسة اللغات الشرقية حيث تابعت الدراسة التي أتاحت لي بعض الوقت للعمل, و مثل كثير من الطلبة, اشتغلت في أعمال تؤمّن لي نفقاتي: فعملت كسكرتيرة بدوام جزئي لدى دور النشر و كمحاسبة في شركة صغيرة…

ص. إ. د. ت.  : و في مصر, ماذا كانت لغتك الأم ؟

جويس بلو: الفرنسية. بالتأكيد ” فرنسية مصرية “, لكنّها كانت فرنسية. ولدت في عائلة ناطقة بالفرنسية ( فرانكوفونية) لا يتكلّم أفرادها العربية. و رغم أنني لم أتعلّم في مصر سوى المبادئ الأولية للعربية, فإنّ العربية كانت حاضرة ” في أذني “. بالأحرى تعلمت القراءة فحسب و لم أتعلم فكّ رموز اللغة العربية. لكنني عشت في عالم إسلامي و هذه المعرفة بالعالم الإسلامي قدّمت لي عونا لا حدود له.

ص. إ. د. ت. : هل وقع اختياركِ على  تعلّم العربية بسبب هذه التجربة ؟

جويس بلو: نعم, لقد كانت هذه التجربة مهمة. و بعد أن تمكنّتُ من العربية, توجّهت نحو الدراسات الإيرانية و اللغة الكردية, بدلا من متابعة دراستي في مجال الساميات. و قد شجّعني الأمير على ذلك كل التشجيع. فأنا أدين للأمير بدعم غير محدود في هذا المسعى. لقد سجّلت في الجامعة من أجل إعداد أطروحة دكتوراه تحت إشراف البروفيسور جيلبير لازارGilbert Lazard , عالم الإيرانيات الفرنسي الكبير, الذي اقترحت عليه العمل على الوصف اللغوي للهجات الكردية في العراق. و هنا أيضا تلقيت الدعم. كما ترى فإن عملي كان يبشّر بالخير. شرعت بدراسة اللغات الإيرانية القديمة  و الحديثة  و اطّلعت على اللسانيات العامة. و في الوقت نفسه كنت أكسب قوتي و أناضل.

ص. إ. د. ت. : و هل تقاطع المساران الجامعي و النضالي أخيراً ؟

جويس بلو: نعم, لقد تقاطعا لأننا كنّا منظّمين على هذا النحو.

ص. إ. د. ت. : إذن فقد دخلتِ مدرسة اللغات الشرقية, قسم اللغة العربية في عام 1956 ؛ و من ثمّ بدأتِ بتعلّم اللغة الكردية في هذه المدرسة و درستِ أيضاً في بروكسل في مطلع الستينيات؟

جويس بلو: كنت أحضّر الإجازة و شهادة الميتريز في العربية في جامعة بروكسل الحرة. طلبت أن أحرّر بحث الميتريز حول القضية الكردية. ذلك أن الكرد يشكّلون جزءا من العراق, البلد العربي, فقبل المشرف أن يدعني أشتغل على هذا الموضوع. و هكذا تصديت لدراسة المشكلة الكردية. كنت أول امرأة تقدّم بحثا في جامعة أوربية منذ أكثر من ثلاثين عاما, إذ يعود تاريخ آخر دراسة جامعية إلى الثلاثينيات. و من أجل إعداد هذا العمل كنت أراسل الأمير كاميران بصورة منتظمة. أتذكّر أنّه جاء لرؤيتي في بروكسل برفقة زوجته ناتاشا.

ص. إ. د. ت. : هل كان هو الذي يوجّه أعمالكِ ؟

جويس بلو: نعم, نوعاً ما و أنا أدين له بالكثير في عملي. فالأمير كاميران جعلني على اتصال مع كردولوج رائع هو الأب الدومينيكاني توماس بوا الذي كان يعيش حينها في بيروت فدخلت معه في مراسلات طويلة. و قد قدّمت عملي إلى جامعة بروكسل الحرة[ كلية الفلسفة و الآداب, معهد فقه اللغة و التاريخ الشرقي و السلافي, القسم الإسلامي][5] في حزيران\تموز1962.

ص. إ. د. ت. : هل تجدّد ارتباطكِ بمدرسة اللغات الشرقية  في تلك الفترة ؟

جويس بلو: نعم, في عام 1962 سجّلت مجددا في مدرسة اللغات الشرقية من أجل دراسة الكردية و الفارسية.

ص. إ. د. ت. : هل كنتم مُلزمين بدراسة كلتا اللغتين ؟

جويس بلو: لا, لم يكن ذلك أمرا ملزما. لقد كان طموحي أن  أتعلّم الكردية لا للتحدّث بها فحسب بل لوصفها أيضا. و في هذا الإطار كان عليّ أن أمضي أبعد من ذلك بكثير. فما كان لي أن أستغني عن تعلّم الفارسية, اللغة العصرية الأهم في العالم الإيراني, كذلك كان من المفيد لي أن أطّلع على اللغات اللغات الإيرانية القديمة: الفهلوية و الفارسية القديمة و الأفيستية.

شهد النصف الثاني من الستينيات الحرب بين الكرد و الحكومة المركزية في العراق. و كانت وسائل الإعلام تتحدّث عن الانتصارات الكردية عندما عرضتُ على البروفيسور جلبير لازارد, أستاذ الدراسات الإيرانية في فرنسا, أن أعدّ أطروحة دكتوراة في اللغة الكردية تحت إشرافه, و قد قبل على الفور. كنت أول متقدّمة تعرض عليه أن تشتغل على اللغة الكردية, هذه الأرض البكر, المثيرة للاهتمام. وقد اظهر جيلبير لازارد أنه مشرف ممتاز[6].

عندما قررت عام 1967 , في غمرة الحرب بين الثوّار الكرد و الحكومة العراقية, أن أذهب إلى كردستان العراق لكي أحصل على المادة اللغوية لأطروحتي, لقيتُ كل التشجيع. لم أكن الأولى. فقد سبقني إلى هناك عالم موسيقي فرنسي شاب يدعى جورج دريونGorges Drion  برفقة زوجته في مغامرة لجمع الموسيقى اليزيدية, لكن وجودهما لم يعجب السلطات فقامت بطردهما خارج البلاد. ثمة شباب فرنسيون آخرون غامروا بالذهاب إلى هناك, لكن لن أذكر منهم سوى أصدقائي فرانسوا كزافييه لوفا François Xavier Lovat ( مصوّر و صانع عدة ألبومات لكردستان العراق) و جان بيرتولينو Jean Bertolino ( مخرج سينمائي و صانع عدة أفلام وثائقية عن الكرد ) و جان برادييه Jean Pradier  (أستاذ المستقبل في السوربون) و برنار دوران Bernard Dorin (أحد سفراء المستقبل لفرنسا) و كذلك الصحفي و الاختصاصي الكبير في شؤون الشرق الأوسط إريك رولو Eric Rouleau و زوجته روزي Rosy و آخرون.

 


[1] – نُشر هذا الحديث باللغة الفرنسية في موقع ejts.org  الإلكتروني:

Citation : Blau, Joyce (2007) ‘Une perspective historique sur les études kurdes. Entretien avec Joyce Blau’, European

Journal of Turkish Studies, Thematic Issue N°5 , Power, ideology, knowledge – deconstructing Kurdish Studies, URL :

http://www.ejts.org/document797.html

[2] – استخدمت الاختصارات (ص. إ. د. ت.) كمقابل لـ EJTS  التي تعني الصحيفة الأوروبية للدراسات التركية. المترجم

[3] – في عام 1914 تغير اسم مدرسة اللغات الشرقية ليصبح المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحيّة, و في عام 1970 تمّ التصويت على ربط هذه المدرسة بجامعة السوربون و في عام 1971 أصبح اسمها المعهد الوطني للغات و الحضارات الشرقية(INALCO) و مازال قائما حتى الآن. و باللغة الدارجة يطلق عليها Langues’O

[ و قد استخدمت في هذه الترجمة تسمية “مدرسة اللغات الشرقية” للإشارة إلى هذه المدرسة بكل مسميّاتها. المترجم]

[4] – ولد هنري كورييل في مصر عام 1914 و قد أسّس عام 1943 الحركة المصرية للتحرر الوطني. طٌرد من مصر عام 1950 فأقام في فرنسا. و هناك تابع نضاله مع حركات التحرر الوطني و خاصة أثناء حرب الجزائر و انضم إلى شبكة دعم الجبهة الوطنية للتحرر التي فرنسيس جونسون. و في عام 1960 أسّس الحركة الفرنسية المناهضة للاستعمار و في عام 1962 أسّس مجموعة “تضامن”. و قد اغتيل في باريس في 4 أيار مايو 1978 .

[5] – بلو، جويس (1962) الحدث القومي الكردي، بروكسل، بحث جامعي(ليسانس)، جامعة بروكسل الحرة، كلية الفلسفة و الآداب، معهد فقه اللغة و التاريخ الشرقي و السلافي, القسم الإسلامي.

Blau, Joyce (1962) Le fait national kurde, Bruxelles, mémoire de licence,Université libre de Bruxelles, Faculté de

philosophie et de lettres, Institut de philologie et d’histoire orientale et slave, section islamique.

[6]– بلو، جويس(1973) اللغة الكردية، لهجة العمادية و جبل سنجار, باريس, اطروحة دكتوراة في اللسانيات, جامعة السوربون, تحت إشراف البروفيسور جيلبير لازار

Blau, Joyce (1973) Le Kurde de Amadiya et de Djabal Sindjar, Paris, Thèse de Linguistique, Paris III, sous la

direction de Gilbert Lazard.

شارك هذا المقال: