( 2 ) حلمي يلدرم يقيِّم ثورة الشيخ سعيد

شارك هذا المقال:

سيدي الباشا، اسمحوا لي أن أخاطب أبناء قوميتي هنا ببضع كلمات من قبل الواجب و تذكاراً لروح شهيد كردستان و بطلها خالد بيك و روحه الطاهرة التي تجوب سماء كردستان من أقصاها إلى أدناها.

أيها الشعب الكردي العظيم إن القومية الكردية هي أغلى من أرواحكم و لم تبق مصيبة أو صعوبة إلا و قد ابتُلِيتم بها جراء كرديتكم و قوميتكم. رفعتم راية القومية إلى عنان السماء و حافظتم على شرفها و كرامتها لتثبتوا للعالم أجمع أنكم سائرون على خطى أجدادكم، و أنكم أوفياء لذكراهم و لوصاياهم. أقسم بشرف سيفكم البتار، و أمام الله، أن لكم مطلق الحرية فيما ستفعلونه و ما تنوونه. إن الله يحب و يرضى عن الذي يحب وطنه و قوميته. إن الشعب الكردي راض عنكم و سيذكركم إلى الأبد، و لن ينسى تضحياتكم و خدماتكم و واجباتكم في سبيل الوطن و الشعب. لا شك أن صفحات التاريخ ستذكر دائما تضحياتكم و نضالكم المشرف و العظيم. ليرضى الله عنكم أيها الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل القومية الكردية! اسمحوا لي بالدخول إلى موضوعنا من جديد.

كان هدف الشيخ سعيد من الثورة هو تحقيق استقلال كردستان. لكنه أجبر على تغيير الخطة لأسباب معروفة، لذلك فشلت الخطة التي أعدها بعض الدهاة و الحكماء الكرد خلال سنين عديدة مما أدى إلى انتكاسة الثورة و فشلها، و أصبحت معها كردستان أراضي مفتوحة للأتراك، فاستباحوها و دخلوا إلى الأماكن و المواقع التي لم يتجرؤوا على الدخول إليها فيما سبق. و بذلك ربحوا المعركة بكل سهولة و فقد الشعب الكردي خيرة أبطاله و قادته نتيجة الخطأ في التوقيت. إن الأسباب التي أدت إلى فشل و إخفاق الخطة تكمن في أن الشيخ سعيد لم يكن مطلعا و مسيطرا على كافة فروع “جمعية الدفاع عن الحقوق القومية لكردستان” ، و كان يتحرك دون التشاور مع القادة الوطنيين الأكراد الذين عملوا بتفان و إخلاص لإعداد تلك الخطة، اعتمد فقط على مريديه، و بهم بدأ الانتفاضة و في وقت غير مناسب. بينما كان الوطنيون الأكراد المتنورون يعملون في الخفاء على تحقيق اتحاد و اتفاق قوي بين الأكراد لنيل استقلال كردستان و القيام بثورة مظفرة و موفقة ضد الجيش التركي المحتل و الغاصب لكردستان و كانوا على قناعة تامة بأن النجاح سيكون حليفهم و خاصة بعد تحقيق الوحدة و السير حسب الخطة المرسومة و المدروسة، و بذلك لم تكن مساعي الشيخ و جهوده لتذهب هباء، و لكانت كردستان قد حصلت على استقلالها الكامل بكل سهولة و بأقل الأضرار و الخسائر.

لنأت الآن إلى النقطة الأساسية للقضية و المصاعب التي لاقتها، فلو لم يسمح الفرنسيون باستخدام الجيش التركي للسكك الحديدية المارة من محافظة حلب، فمما لا شك فيه أن كردستان كانت ستبقى متحدة و موحدة و كان من السهولة بمكان الحصول على استقلالها. و ربما تساءلتم لماذا لم يتحد و يتفق الأكراد على خطة مدروسة؟ أجيبكم بأن مثل هذه القضايا القومية تحتاج إلى مدة زمنية طويلة لكي تحقق الاتفاق و وحدة الكلمة. أكرر من جديد أنه لو تأخر الأتراك لمدة شهر واحد فقط، أي لو لم يسمح له الفرنسيون باستخدام طريق حلب، لأكمل الأكراد استعداداتهم و لكانت كردستان الآن حرة و مستقلة. سيدي الباشا! ثمة حيوان زاحف باسم “الحرباء” يبدل لونه 42 مرة في اليوم و إنكم تشبهون هذا الحيوان تماماً. فمنذ أربعة قرون تقريباً و إلى أيام تأسيس جمهوريتكم التركية كنتم تحتلون ممالك الشعوب الإسلامية و تستَعْدُونَها و تستغلونها لمصالحكم القومية باسم الدين الإسلامي. و خير مثال على ذلك وضع بلادي كردستان حيث لم تحاولوا أبداً إنشاء المدارس أو دور العلم فيها. بل منعتم هذه الصروح العلمية باسم الدين بهدف إبقاء الشعب الكردستاني أمياً و جاهلاً و بعيداً عن العلم و المعرفة. لم تكتفوا بهذه السياسة بل سعيتم إلى الإيقاع بين الكرد أنفسهم بالدسائس و الفتن ليبقى الكرد ضعفاء و مشتتين ليسهل على الأتراك استعبادهم و استعمارهم. أما الآن فتحاولون تطبيق هذه السياسة باسم الإلحاد، لكن الشعب الكردي استيقظ من نومه و لن ينخدع بسياستكم من الآن فصاعداً. إنني أرى الآمال في الشباب الكردي الصاعد و الواعد الذي يحرص  على التعليم و يهتم بلغته الكردية و آدابها. و إنني على قناعة تامة بأن الجيل الجديد الواعد سيسعى إلى إعلاء شأن لغته الكردية و إحيائها لتصل إلى أعلى المستويات و أفضلها.

لن يصبح التناقض الديني و المذهبي بين الأكراد، من الآن فصاعداً، سبباً للتشرذم و التصارع. و سيتساوى الجميع في الحقوق و أمام القانون، كل من يعيش في بلادنا، كردستان، و كل من ينتسب إلى القومية الكردية و يتكلم بلغتها. و ستكون هناك وحدة الكلمة و الصف بين جميع الأكراد دون تفريق، و سيضحي الجميع بأموالهم و أرواحهم في سبيل استقلال كردستان و في سبيل القومية الكردية. حيث أن جميع الأكراد إخوة في القومية، و لن يفرق بينهم الاختلاف في الدين أو المذهب. اتحدوا و اتفقوا أيها الأكراد لأن أيام الثأر و الانتقام قريبة جدا.

و الآن لنأت إلى موضوع جمهوريتكم التي تتغير و تتبدل يوماً بعد يوم، و تتخذ ألواناً مختلفة مثل حيوان الحرباء. سيدي الباشا جردت جمهوريتكم الفتية الشعبَ التركي من دينها الإسلامي، و أعلنتم على الملأ أنكم ترفضون قوانين و شرائع العرب و لغتهم و كتابتهم و أبجديتهم و رسولهم، و بالمقابل فرضتم على الشعب الإلحاد، و قلتم بأنكم تفضلونه على التدين و الإيمان. لم تكتفوا بذلك بل قمتم بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية، ترجمة جلها أخطاء مقصودة و آيات مزورة  لتصبحوا موضع سخرية و اشمئزاز العالم الإسلامي. هل تعتقدون بأن العالم الإسلامي سينسى عملكم و فعلكم القبيح و الشنيع هذا؟ كلا، كلا لن ينسى أي مسلم مفعم بالإيمان و الدين فعلتكم الشنيعة هذه، لن ينساها و لن ينساها أبداً. وخوفاً على حياتكم و حياة جمهوريتكم أصدرتم بأموالكم بعض الصحف التي أصبحت أوكاراً للفساد و الرذيلة، تذكرون فيها بعض الأحاديث النبوية و الآيات القرآنية و بعضاً من محاسن الإسلام و أفضاله. لكن الجميع فهم مقصدكم الخادع هذا. إن الدول الإسلامية المجاورة لكم مستمرة في التطور و القوة، لهذا تهزون ذيلكم في تلك الصحف تنتظرون هجوماً مباغتاً منها في كل يوم على حكومتكم المرتدة والملحدة. لن يفيدكم هز الذيل، هزوها، هزوها، فإما أن تطول و إما أن تجتث.

من جهة أخرى نصبتم فخاً للوطنيين و الشباب الكرد الذين فروا إلى خارج الوطن لمتابعة النضال من هناك من أجل حرية و استقلال كردستان. لا ترهقوا أنفسكم إذ أن الجميع على دراية تامة بماهية هذا الفخ و لن يقعوا فيه. سيدي الباشا إن الحرباء التي ذكرتها فيما سبق، يضعها أطفالنا الكرد تحت الغربال حيث يتبدل لون جلدها كلما صفعوا الغربال بضربات خفيفة، و حكومتكم يا سيدي الباشا تشبه تلك الحرباء تماماً، حيث وضعكم الأوربيون تحت الغربال فيتبدل لونكم كلما أظهروا لكم أصبعهم. لننتظر إلى أي مدى يصل تبديل لونكم. لنأت الآن مجدداً إلى موضوعنا المهم. فعندما مر الجيش التركي من محافظة حلب لم يكن الكردستانيون على علم بذلك بل كانوا مشغولين بأعمالهم و مهنهم، لأنه لم يكن ينتظر أحد منهم أن يأخذهم الأتراك على حين غرة و دون الاستعداد للمعركة و المجابهة، خاصة و أنكم ألقيتم من الطائرات مناشير و نداءات إلى أهالي كردستان ترجون منهم مساعدة الجيش التركي باسم نخوة الدين الإسلامي ضد الشيخ سعيد و من معه من المتمردين على أوامر الدولة و الذين يسيئون إلى الشعب و يعتدون على حرماتهم و أملاكهم حسب زعمكم.

كان البطل الشيخ سعيد يقود فقط (180) من مريديه المسلحين و قد استطاع بهذه القوة المتواضعة إلحاق الهزيمة بالفرقة السابعة من جيشكم و أسر مجموعة كبيرة من جنودكم بينما فر الناجون من أرض المعركة كالصيصان المذعورة تاركين جميع أسلحتهم الثقيلة والخفيفة على أرض المعركة، دون أن يلووا على شيء. و عقب ذلك حاصر الشيخ سعيد مدينة دياربكر حصاراً شديداً، ولكن لم يكن معه من يستطيع استعمال المدافع الحربية أو من لديه خبرة في أصول محاصرة المدن فأخفق في مسعاه. لا شك أنه لو كان يملك كوادر تستطيع استعمال المدافع و على معرفة بأصول الحصار و فنونه، لحقق انتصاراً باهراً و لفلح في مسعاه حتى و لو استنفرتم جميع جيوشكم التركية و أرسلتموها إلى أرض المعركة.

سيدي الباشا لن أقف طويلاً على معارك الشيخ سعيد معكم، و لن أتكلم عنه كثيراً، لكن سأذكركم هنا بكلمات بسيطة و معبرة عن الأيام التي سبقت معارككم مع الشيخ سعيد. فسواء من خلال المناشير التي ألقيتموها إلى أهالي كردستان من الطائرات ترجون العون و المساعدة للجيش، أو من خلال اليمين و القسم بأغلظ الإيمان و بأغلى القيم بأنكم لا تنوون إلحاق أي ضرر أو سوء بالأهالي و لا تنوون الاعتداء عليهم لدى سوقكم لثلاثة جيوش تركية بكامل العدة والعدد من الغرب إلى كردستان عن طريق حلب و زعمتم بأن الغرض و الهدف من هذا الاستنفار هو تأديب بعض العصاة و المتمردين على أوامر الدولة و الذين يلحقون الأذى بأهالي كردستان أيضاً و أنه بعد إتمام المهمة سينسحب الجيش تلقائياً إلى حدود روسيا. بهذه الخدعة كسبتم ثقة شعب كردستان و بالتالي قطعتم الطريق على أية مقاومة محتملة من طرفه فاستتبت لكم الأمور و الأوضاع و بلغتم هدفكم و مرامكم بأسهل الطرق و أقل الأضرار. أما الشيخ سعيد فقد وجد من الحكمة إنهاء الانتفاضة حقناً للدماء و لقطع الطريق على فتنة تحرق الأخضر و اليابس و تؤدي إلى إلحاق ضرر كبير لا يحتمل بالأهالي. و بذلك أمر مريديه بالعودة إلى ديارهم و أعمالهم و سلك بنفسه طريق العودة إلى بلدته، لكن أحد الأشخاص باسم “قاسم بك” أوصاه بالتوجه مباشرة إلى مسؤولي الحكومة ليثبت وجوده و تخليه عن الانتفاضة لأنه بذلك يضمن سلامته و سلامة و أمن الأهالي و لا يترك للحكومة أي مبرر للاستمرار في الاعتداء على كردستان. استصوب الشيخ سعيد هذا الرأي حقناً للدماء و حفظاً على سلامة الشعب و أمنه، و توجه بمعية المذكور ليسلم نفسه إلى مسؤولي الحكومة، لكنكم اعتقلتموه فوراً دون سؤال أو جواب.

أليس هذا هو الذي حصل سيدي الباشا؟ بعد اعتقال الشيخ سعيد قمتم يا سيدي الباشا باحتلال كردستان بأكملها و اعتقلتم جميع زعماء و أعيان الكرد بالحيلة و الدسيسة كما قمتم بمصادرة جميع قطع الأسلحة الموجودة بحوزة الأهالي و بعدها نفذتم حكم الإعدام بالشيخ سعيد و الزعماء و الأعيان الكرد المعتقلين في إحدى ميادين دياربكر. و عندما خلت لكم الساحة أمرتم الجنود بقتل ما بحوزتهم من المعتقلين في الطريق قبل جلبهم إلى السجون أو المحاكم كما قمتم بتجميع نساء و أطفال و رجال القرى الكردية القريبة من الطرقات المهمة في المساجد و الجوامع لتحرقوهم بدم بارد دون أن تأخذكم رأفة أو شفقة بهؤلاء الأبرياء الذين وصلت استغاثاتهم و صرخاتهم عنان السماء، ليستهزء بهم جنودكم و ضباطكم و يقولوا لهم: “ليأت الله و ينقذكم من هذه النيران!”. هل هذه هي الحضارة التي تزعمون أنكم قبلتم بها للتو؟ لقد أحرقتم قرى عديدة لا تحصى، و لا تسعفني ذاكرتي بذكرها هنا خاصة و أنني أصاب بالقشعريرة كلما تذكرتها و أنزف غيظاً و دماً كلما حاولت الكتابة عنها. غير أنني سأذكر هنا بعضاً منها على سبيل الذكر لا الحصر، ليأخذ القراء فكرة عن حضارتكم و مدنيتكم المزعومة. لن أتحدث هنا عن المجازر التي ارتكبت في قريتَيْ “قامشلي” و “خاجيكا” التابعتين لمنطقة “سيلوان” التي تتبع ولاية دياربكر. ….

يتبع……….

 الترجمة عن التركية العثمانية: سالار آشتي

 * الصورة من موقع: ebarzan.com

شارك هذا المقال: