سروج و أرصلان طاش في أرشيف الدولة العثمانية بين عامي 1113 – 1319 هـ / 1701 – 1901 م

شارك هذا المقال:

لا يرد في الأرشيف العثماني ذكر ” سروج ” في دفاتر أو سجلات خاصة , إنما نصادف اسم هذا القضاء في سياق الحديث عن أمور عسكرية أو وقفية أو تعليمية أو إدارية , في سجلات متفرقة , متناثرة في حقبة تزيد عن القرنين من الزمن .
على ما يبدو أن قضاء سروج قد تنقل في التبعية الإدارية بين سنجق الرقة وسنجق أورفا , فحسب التصنيفات الإدارية الواردة في الأرشيف العثماني , نجد أنه كان قضاءً تابعاً لسنجق الرقة – ولاية حلب عام 1846م , ليتحول إلى قضاء تابع لسنجق أورفا – ولاية حلب عام 1867م ,
لينتهي به المطاف قضاءً تابعاً لـ “شانلي أورفا ” في عهد الجمهورية عام 1924م .

و من  الملفت , أن أول ذكر لسروج يصادفنا في سجلات الأرشيف العثماني يرد في شأن وقفي , إذ تتحدث الوثيقة ذات الرقم 17 من المجلد1663 تاريخ 1113هـ \1701 م عن منح ” براءة نامة ” جديدة للشيخ محمد أفندي من خدم زاوية الشيخ أبا مسلم السروجي , و أخرى لشيخ الزاوية .
و في وثيقة أخرى تندرج تحت ذات العنوان برقم 113 من المجلد 9 تاريخ 1273هـ , نجد أن الدولة العثمانية تقرر تسليم الشيخ علي أفندي و الحاج علي أفندي من أتباع زاوية أبا مسلم السروجي عهدتهم ومخصصاتهم حسب ما هو متعارف عليه  , ما يتفق و المعروف عن سياسة الدولة العثمانية في دعم وتشجيع الطرق و الحركات الصوفية ورجالاتها !! .
و لا نجد من الوثائق المتعلقة بسروج وقراها في الأرشيف العثماني خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين إلا ما ندر ؛ إذ لا نجد من الوثائق العائدة لتلك الحقبة – إضافة إلى الوثيقتين السابقتين –  سوى وثيقة أخيرة , تتحدث عن هجوم عشائر نجد على سروج وما حولها , في كتاب موجه من والي بغداد سليمان باشا إلى والي الشام يوسف باشا , يبين فيها أن المهاجمين لم يكونوا من ” الوهابيين ” بل كانوا من عشائر نجد , وأنه قد تم صد الهجوم من قبل الجنود الذين تم إرسالهم من قبل والي الشام ؛ وذلك في الوثيقة ذات الرقم 728 من المجلد 13465 تاريخ 1224هـ \1809م .
ثم تزداد الوثائق العثمانية التي يرد ذكر سروج فيها في القرن الرابع عشر الهجري , وتتنوع عناوينها أيضاً , من الشؤون العسكرية والإدارية إلى تفاصيل الحياة اليومية .
إذ تتحدث الوثيقة ذات الرقم 1460 من المجلد 71 تاريخ 17 صفر 1305هـ عن رفع أسماء أشخاص مناسبين لتعيينهم بصفة ( كاتب تحريرات ) لأقضية ” بيلان ” و ” بازارجك ” و ” قلعة الروم ” و ” حلفتي ” و ” سروج ” أصولاً .
و من الملاحظ  من كثرة المراسلات الإدارية والوثائق المتعلقة بالتعيينات و التنقلات و الاستجوابات و الأوامر الإدارية , في هذه الفترة , اهتمام الآستانة بضبط الأمور الحكومية المتخلخلة ( على ما يبدو ) في هذه البقعة من السلطنة , و التي (على ما يبدو أيضاً ) أنها بدأت تتململ من الحكم العثماني , حسب ما يمكن قراءته من بين سطور ما وصل إلينا من وثائق الأرشيف .
فعلى سبيل المثال , يمكن أن تعتبر كثرة التنقلات و أوامر العزل و كف اليد الصادرة بحق بعض من تولوا منصب قائم مقام سروج وبعض الأقضية المجاورة , دليلاً على خروج الأمور عن السيطرة في بعض الأحيان . خاصة الوثيقة ذات الرقم 1558 من المجلد 111 تاريخ 23 صفر 1306هـ  , المتضمنة تعيين محمد علي أفندي في قائم مقامية الباب المنحلة , بعد أن صدر أمر من والي حلب بتعيينه قائم مقاماً على قضاء سروج , لكن ما جرى أن الآستانة من جهتها عينت شخصاً آخر في هذا المنصب , مما يدل على انعدام التنسيق و ضعف السلطة المركزية في هذه الحقبة .
و وثيقة أخرى تفيد ما ذهبنا إليه تتضمن استفسار الباب العالي من والي حلب عن المعاشات و أوامر التعيين و العزل الصادرة عن قائم مقام سروج إبراهيم سعد الدين أفندي . والوثيقة تحمل الرقم 1842 من المجلد 79 تاريخ 9 ذو القعدة 1308هـ .
ويمكن إحصاء عدد كبير من وثائق الأرشيف العثماني العائدة لهذه الحقبة و المتعلقة بالشؤون الإدارية , مما يؤكد ما سبق تخمين كونه دليلاً على تخلخل الأمور في قضاء سروج .
ولعل أوضح الوثائق المؤكدة لما ذهبنا إليه , تلك الوثيقة التي تتحدث عن العصيان المسلح الذي قام به أهالي سروج وما حولها ضد مفرزة سوق الجندية والفرارية التابعة لطابور سروج الرديف , وكف يد قائم مقام سروج صبري أفندي وقائم مقام ” قلعة الروم ” محمد ضياء الدين أفندي إثر هذا الحادث . والوثيقة برقم 2163 من المجلد 42تاريخ 1316هـ -1898م. و الوثيقة ذات الرقم 2511 من المجلد 61 تاريخ 1ذ رمضان 1319هـ  1901م المتضمنة التحقيق في الشكوى المقدمة من أهالي و عشائر قضاء سروج بحق قائم مقام اللواء الثالث غالب آغا و أخيه قائد الكتيبة الأولى اليوزباشي عثمان آغا .
و وثائق أخرى من هذا النوع تتحدث عن طلبات تظلم بدعوى العزل دون مبرر من قبل قائم مقام سروج , و أخرى توجه لإجراء التحقيق اللازم في  التصرفات غير اللائقة الصادرة عن ضباط و أفراد لواء الحميدية في قضاء سروج , و ذلك في الوثائق ذوات الأرقام 1853 من المجلد 79 تاريخ 9 ذو القعدة 1308هـ و ذات الرقم 1316 من المجلد 75 تاريخ 20 ذو القعدة 1316هـ بالترتيب .
ومن الوثائق الملفتة للنظر تلك المتعلقة بتعيينات وتنقلات المعلمين و المدرسين في مدارس قضاء سروج و قراها , كالوثيقة المتضمنة تعيين كل من محمد نوري أفندي و شيخ عثمان أفندي و محمد علي أفندي في مدارس قضاء سروج و قرية  “زيارة ” و ” قره قرية ” الابتدائية بالترتيب . و الوثيقة المتضمنة نقل معلم مدرسة قرية أرصلان طاش الابتدائية التابعة لقضاء سروج علي أفندي إلى قرية ” باكتو ” الابتدائية في قضاء ” قيسري ” و تعيين خليل أفندي بدلاً منه ….ألخ . و الوثيقة برقم 463 من المجلد 23 تاريخ 21 رمضان 1317هـ .- 1899م مما يعد دليلاً على وجود التعليم الحكومي في هذه الفترة المبكرة من تاريخ المنطقة .
لكن بالمقابل , كانت هناك بعضاً من المنغصات و النقاط المعتمة في قضاء سروج و محيطها حسب ما تشير وثائق الأرشيف , كتلك التي تتحدث عن جرائم القتل و السلب و بعض النزاعات المدنية . فالوثيقة ذات الرقم 3180 من المجلد 112 تاريخ 10 ذو القعدة 1316هـ تتضمن الشكوى المقدمة من قبل ” شيخ بن سعد ” من أهالي قرية ” أوزون حظر ” التابعة لقضاء سروج حول قيام المجرم الفراري ” خليل آغا كوك أوغلو” من نفس القرية بقتل أخيه و تهديده هو أيضاً بالقتل . و الوثيقة ذات الرقم 2143 من المجلد 63 من نفس العام تتضمن التحقيق في تعدي المدعو ” جنيد ” من أهالي قرية المسعودية التابعة لقضاء سروج على المدرس الحلبي جميل أفندي . و الوثيقة ذات الرقم 2591 من المجلد 18 تاريخ 12 ذو القعدة 1319هـ تتحدث عن تكريم كل من بينباشي جاندرما أورفا , ووكيل اللواء 52 الحميدية  , و قول أغاصي اللواء زيا بك , و الأونباشي عبد بن ريحان بالميداليات والنياشين , لجهودهم في إلقاء القبض على قطاع الطرق الذين سلبوا الألماني ” مسيو كامين ” و زوجته وخادمته أموالهم و أغراضهم , بالقرب من سروج أثناء سفرهم من حلب إلى أورفا .
و تشير إحدى الوثائق الفريدة إلى تحقيق أجري بخصوص شكوى مقدمة من امرأة تدعى ” زليخة ” بخصوص تعدي المدرس جميل أفندي على العقار المنتقل إليها من والدها درويش عثمان أفندي و الكائنة في قضاء سروج بالقرب من نهر الفرات بين قرية المسعودية و القرى التابعة لها . و الوثيقة تحمل الرقم 2189 من المجلد 93 تاريخ 2 ذو الحجة 1316 هـ.
و كلفتة مستغربة من العثماني , نجد وثيقة فريدة من نوعها تتضمن طلباً مستعجلاً من الباب العالي موجهاً إلى ولاية حلب لرفع تقرير عن المتضررين و الأضرار الناتجة عن الزلزال الذي ضرب قضاء سروج واثنتين من القرى التابعة  لها إلى الصدر الأعظم , وذلك في الوثيقة ذات الرقم 1460 من المجلد 71 تاريخ 17 صفر 1305هـ .-1887م
و من الوثائق الفريدة أيضاً , تلك التي تفيد في توثيق السرقات التي تعرض لها آثار قرية ” أرصلان طاش ” و ضبط تواريخها بدقة .
فأولى الوثائق التي تتحدث عن نقل آثار أرصلان طاش تلك التي تحمل الرقم 404 من المجلد 37 تاريخ 17 صفر 1316هـ  و التي تتحدث عن نقل ” الحجر المرسوم ” من ” الآثار العتيقة ” من أرصلان طاش إلى دار السعادة و تفاصيل عملية النقل إلى اسكندرون , وصعوبة تأمين السفينة ….. إلخ . و الوثيقة ذات الرقم 450 من المجلد 15 تاريخ 15 محرم 1317هـ  1899م المتضمنة طلب نقل ” الآثار العتيقة ” المحتوية على رسوم و المستخرجة من قرية أرصلان طاش في قضاء سروج إلى المتحف السلطاني .
إن البحث في الأرشيف العثماني عن معلومات تتعلق بالحياة العامة في سروج و ما حولها في الفترة الزمنية المذكورة يعد عملاً مضنياً , نظراً لشح الخام البحثي و قلة التفاصيل , إلاّ أن المادة المتوفرة تساعد على الأقل في تسليط الضوء على بعض من جوانب المجتمع في هذه البقعة المنسية , و في هذا التاريخ الغامض أصلاً .


المصادر :

  • موقع المديرية العامة لأرشيف الدولة التركية.
  • أسماء الأماكن العثمانية – طاهر سازان ( أنقرة 2006 ) – باللغة التركية .
  • دليل رئاسة الوزراء التركية للأرشيف العثماني ( اسطنبول 2000 ) – باللغة التركية

شارك هذا المقال: