الديمقراطية والمشروع الحر والثقة Democracy, Free Enterprise, and Confidence

شارك هذا المقال:

إذا أدرنا ناظرينا حول العالم سنجد أن البلدان الأكثر ازدهاراً ونجاحاً هي التي تتباهي أيضاَ بديمقراطياتها الأكثر حركية. فبلدان مثل تشيلي وإيرلندا والولايات المتحدة هي ديمقراطيات نابضة بالحياة وفي نفس الوقت هي بلدان أسواق حرة  لدرجة عالية جداً. وبلدان مثل بورما وكوريا الشمالية تتميز بالديكتاتورية والاقتصاد الأوامري الجامد.
وعلى الرغم من وجود استثناءات لكل القواعد, فإن الحرية الاقتصادية والسياسية تميلان للسير يداً بيد. وفي العديد من الحالات تعتبر البلدان المفتوحة على العالم بلداناً رائدةً في كل من الحريات الاقتصادية والسياسية.
وعلى نحو خاص فإن الارتباط بالاقتصاد العالمي هو أساس هام للديمقراطية. إن كلاً من التجارة والمنافسة تشجعان النمو[الاقتصادي], الذي يتسبب بتراكم الثروة ويخلق طبقة وسطى نامية. وهذه الطبقة الوسطى النامية, بدورها، لديها طلبات أكثر من حكومتها, مما يعني أن الحكومة لن يعود بمقدورها الاستمرار بالاعتماد على نخبة ضيقة. في نفس الوقت تكشف التجارة والتبادل عن درجة الكفاءة المنخفضة في المشروعات التي تسيطر عليها الدولة, وكذلك تحد من قدرة موظفي الدولة على الاستغلال الوظيفي. من جهة أخرى فإن اليأس الاقتصادي يشجع الديكتاتوريات العاتية, كما ظهرت بشكل جلي في فترة ما بين الحربين [في القرن العشرين]. وقد أدرك هذا كلٌ من الرئيس الأمريكي هاري ترومان والوزير جورج مارشال, لذلك ومع بداية الحرب العالمية الثانية وضعا خطة لإعادة بناء أوروبا. وقد قال مارشال بأن إنعاش الاقتصاد سيسمح بظهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تتواجد فيها المؤسسات الحرة. كذلك فإن الانغماس في الاقتصاد العالمي يمكن أن يدعم أيضاً الأفكار الديمقراطية, على سبيل المثال فإن الشركات العالمية ممنوعة بموجب القانون من تقديم الرشاوي أو التورط في ممارسات الفساد.
بالإضافة لذلك فإن العديد من الشركات تفرض بشكل طوعي أنظمة انضباط داخلي أو تساهم في اتفاقيات لانضباط الشركات مثل (the Global Sullivan Principles or the UN Global Compact ) . وكلما كان هناك عدد كبير من هذا النوع من الشركات في التجارة والمنافسة, كانت البيروقراطية ورؤساء الأحزاب أقل قدرة على الحفاظ على مواقعها أو التورط في الممارسات المشبوهة أو الفساد.

المسؤولية الاجتماعية للشركات:
اليوم هناك منفعة هامة أخرى لمشاركة الشركات العالمية في الاقتصادات المحلية. فقد أسست العديد من الشركات لبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركة في دعم المجتمعات التي تعمل فيها. وفي العديد من الحالات لا تتعلق هذه الجهود مباشرة بجوهر عمل الشركة بل تركز على تحسين المؤسسات المحلية.
وهذا أمر يصح على نحو خاص في أفريقيا, حيث أسست الشركات متعددة الجنسيات لبرامج معالجة الإيدز وبرامج التوطين في مرحلة ما بعد النزاعات وأنشأت مؤسسات تمويل المشروعات الصغيرة. كذلك اشتركت شركة “جنرال موتورز” مع الاقتصادي المتخصص في التنمية  جيفري ساشيز(Jeffery Sachs ) في بناء سلسلة من المشافي في عشرة بلدان أفريقية, وتم استخدام تكنولوجيا جنرال موتورز ومتطوعيها في تحسين المستوى الصحي في الريف. وقد ساهمت هذه المشروعات في تعزيز المجتمع المدني وتشجيع إنشاء المؤسسات الحرة.
وفي إطار أكثر عمومية، تقوم المنافسة العالمية بتشجيع الاندماج في الإطار العالمي, وهو أمر يقود بشكل محتم لتبادل المعلومات والأفكار وقيم الديمقراطية. وقد أدرك الرؤساء الأمريكيون، بدءا من “فرانكلين روزفلت” إلى “جون كينيدي” إلى “رونالد ريغن”، المنفعةَ الكبيرة للسوق المفتوحة في رعاية الديمقراطية في الخارج. ومؤخراً جداً اتفق الرئيسان بيل كلنتون و جورج بوش الابن أن إدخال الصين إلى منظمة التجارة العالمية سيكون مفيداً للديمقراطية. وقد صرح كلنتون :”عندما يكون لدى الأفراد القدرة ليس فقط على الحلم ولكن على تحقيق تلك الأحلام,……..فسيطلبون الكلام أكثر”. ويقول بوش :” الحرية الاقتصادية تخلق عادات الحرية …و[فيما يتعلق بالصين] فإن المادة الرئيسية التي نصدرها ليست هي الطعام أو الأفلام أو حتى الطائرات, بل هي الحرية”.
منذ زمن ليس ببعيد, صدَّرت الولايات المتحدة و أوروبا الغربية الأفكار الأمريكية إلى الاتحاد السوفيتي السابق من خلال موسيقى الروك والكتب والتلفزيون. في عام 1987 عزف بيلي جويل Billy Joel للمستمعين في موسكو ولينينغراد, وقد أخبر الشعب السوفيتي أنه : ” ما يجري في بلدكم يشبه كثيراً ما جرى في الستينات في بلدي”. في يومنا هذا فإن الأسواق الأكثر حرية تعني الوصول للإنترنت و الخليوي والرسائل النصية التي تنقل المعلومات و المحادثات والأخبار بطريقة يصعب على أية حكومة التحكم بها.  إن الانغماس في المعلومات والنظام الاقتصادي العالمي أمر جيد للديمقراطية.
لكن هل الديمقراطية مفيدة للمشروع الحر؟
ربما كان هذا سؤال أكثر تعقيداً, لكن هناك شيء واحد واضح: قلما تعتنق الديكتاتوريات الأسواق الحرة. فكل من بورما و كوبا و ليبيا و كوريا الشمالية و زيمبابوي تعتبر من الاقتصادات الأقل حرية في العالم وفقاً لمؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2008, الذي وضعته كل من “وول ستريت جورنال” و مؤسسة التراث. إن السلطة المركزية التي تسمح لهذه النظم السياسية بالاستمرار تشجع الاقتصاد الأوامري المركزي الذي يحابي الموالين للنظام ويعاقب المخالفين له.
بالتأكيد ساهمت الحكومات الديمقراطية في ترسيخ الأسواق الحرة في الولايات المتحدة والعالم. و على مدى ستين سنة ساعدت الولايات المتحدة نظاماً عالمياً حراً يعتمد على التجارة الحرة و الأسواق العالمية المستقرة. وخلال نفس الفترة خفضت أوروبا قيودها الاقتصادية وحسنت كفاءة أسواق العمل فيها بعد انتشار الديمقراطية في القارة.

الأسواق الحرة والاستقرار:
إن الانتخابات الحرة والعادلة لا تشجع لوحدها الأسواق الحرة. فإحدى المشكلات هي تزايد عدد النظم الأوتوقراطية التي تتنكر على شكل ديمقراطيات, حيث يحتفظ حزب واحد بالسيطرة الفعلية على الحكومة والاقتصاد ولا توجد معارضة حقيقية. فروسيا في ظل “فلاديمير بوتين”، الرئيس السابق ورئيس الوزراء الحالي, هي المثال الرئيسي لبلد تتآكل فيه الديمقراطية. مع زيادة بوتين لسيطرته على البلد, زادت موسكو من سيطرتها على الاقتصاد, موسعة نفوذها على المشروعات الحكومية [و هذا يحد من حرية السوق] مثل “غازبروم”  و مستخدمة قوتها الاقتصادية في إرسال رسائل سياسية لجيرانها و العالم.
كذلك هناك ديمقراطيات تفتقد المؤسسات والدعم اللازم للأسواق الحرة. فالحكومات الناشئة, مثل تلك الموجودة في العراق و الضفة الغربية و غزة, حيث تعتبر مسألة الاستقرار والأمن غير محققة, لا تمتلك الهياكل الحكومية و الأمنية التي ترعى الأسواق الحرة بشكل كاف.
حتى في الديمقراطيات الأكثر رسوخاً تبقى هناك إمكانية للارتداد على الأسواق الحرة. في أمريكا اللاتينية هناك عدد من السياسيين الذي انتُخبوا مؤخراً استناداً على برامج شعبوية , وحتى اشتراكية في بعض الحالات  [برامج معادية للسوق الحرة].  في الولايات المتحدة تظهر الانتخابات تضاؤلاً في الدعم للتجارة الحرة. بينما أثارت أزمة الرهن العقاري الشكوكَ حول مسيرة الأسواق الحرة بدون تنظيم حكومي كاف.
تبدو الديمقراطية أقدر على تعزيز الأسواق الحرة عندما تترافق مع مؤسسات محلية قوية و ثقة اجتماعية. توجد في الدانمرك إحدى أفضل الاقتصادات المفتوحة في العالم وهي نموذج للديمقراطية, لكنها تعتنق ميثاقاَ اجتماعياً فريدا يعرف بـ”flexicurity ” , وهو نظام استغرق أكثر من قرن من الصياغة والتعديل, وينفق مبالغ كبيرة على البرامج الاجتماعية والتدريب والخدمات العامة.
كانت نتيجة التسوية هي أن الدانمركي يؤمن بقوة بالمشروع الحر والتجارة العالمية, حتى النقابات تقتنع بالتعامل مع الخارج. ويقترح روبرت كونتر, الذي حلل التسوية الدانمركية بين الأسواق الحرة والاستقرار الاجتماعي, أن هذه الأنواع من المساومات “يجب أن تنمو بروحيتها السياسية”. إن مفتاح نمو الديمقراطية والحرية الاقتصادية هو ترسيخ المؤسسات المحلية التي يعتمد عليها الاثنان.
على الولايات المتحدة و حلفائها و المؤسسات الدولية الاستمرار في تشجيع سيادة القانون و استقلالية و شفافية النظام القضائي و الاستثمارات الرأسمالية المنتجة و الالتزام بحقوق الإنسان و الالتزامات القانونية من أجل  رفع احتمالية أن تعمل الحكومات بطريقة أكثر عدالة و إنسانية و شفافية.
و في نفس الوقت يمكن للحكومات و المنظمات غير الحكومية و الشركات أن تلعب دوراً في ترسيخ المؤسسات المحلية و مجموعات المجتمع المدني التي تعزز الديمقراطية و تدعم الحريات الفردية.
يجب أن نندمج في العالم بنشاط بكل الأدوات المتاحة , و بشكل خاص من خلال التجارة و الدبلوماسية. إذا فعلنا ذلك فستكون لدينا فرصة لمساعدة الناس حول العالم لكي يصبح أكثر حرية و ازدهاراً و أماناً.

William A. Reinsch

الكاتب رئيس المجلس الوطني للتجارة الخارجية في الولايات المتحدة وهو عضو لجنة مجلة الاقتصاد والأمن الأمريكي الصيني
المصدر:
E Journal USA – June 2008, Volume 13 / Number 6

شارك هذا المقال: