القوالون

شارك هذا المقال:

القوالون

(الوعاء الأمين لحفظ تراثنا الديني)

د. خليل جندي 

أكتب دراستي هذه بشيء من التأني، خشية أن لا تستوفي المقالة حق القوالين وتاريخهم الناصع في حفظ التراث الديني الأيزيدي وعاداته وطقوسه، فهؤلاء الأخيار هم الذين حملوا بكل أمانة تراث أسلافنا وفلسفة ديانتنا وأدبنا الشفاهي، وطقوسنا، وأوصلوها إلى هذا اليوم، بل ويستمرون بحملها للمستقبل والأجيال الآتية… ولهذا يمكن اعتبارهم بحق، كتلك الوردة المعطرة في حدائق الأيزيدياتي، فهم رمز الوفاء والمقاومة، وهم الماء الزلال الرقراق من نبع عقيدة عريقة.
أصل كلمة قوال
اعتقد البعض إلى وقت قريب، ولا يزال آخرون يظنون أن كلمة (قوال) مشتقة من (قال ـ يقول ـ قولاً) العربية. إلا أنه من خلال بعض التحليلات والمقارنات اللغوية يظهر بأن كلمة (قوال) مأخوذة من كلمة (كالو Kalo) السومرية.
وتعني (كالو Kalo) بتلك اللغة: الكاهن، الرجل المتدين، كبير السن.. الخ. وفي لغتنا الكردية وخاصة في لهجة أهل شنكال şingal فان (كالو Kalo) تستخدم بنفس المعنى المذكور، وجدير بالذكر فإن كلمة (شنكال şingal ) نفسها مركبة من كلمة (كال + شنكو = Kal + şingo) بمعنى الرجل المتدين، الكبير، المجيور Magi  = الكاهن (1). وإصطلاحاً تعني (شنكال şingal أو شنعار) كما ترد في التوراة، تعني سهل بابل أو أرض بابل، وأحياناً تعطي معنى (الجنّة). كما يذكر في بعض الكتب التاريخية بأنه كان هناك معبد كبير للإله سن في جبل شنكال، وهذا ما يقدم دليلاً بأن جذر كلمة (قوال) ترتبط بشكل وثيق باللغة السومرية أو البابلية. ولم يكن إرتباط (القوال) بالتاريخ القديم إرتباطاً لغوياً فحسب، بل وحتى في العصر البابلي كان الـ (كالو) يخدم في المعابد ويعزف الموسيقى الدينية (الدف والشبَّابة) في الأعياد والمناسبات الدينية.
وهذا يظهر جلياً حتى في عصرنا الحاضر، حيث يلعب القوالون دوراً متميزاً في العديد من الأعياد، ويعزفون على الموسيقى المقدسة، ومن تلك الأعياد: عيد (جز الصوف)، حيث يجلب الأهالي الأغنام، ويقومون بجز صوفها وأثناء هذا ينقر القوالون على الدفوف ويعزفون على آلة الشبابة (الناي). هذا الطقس ـ العيد لا يزال يمارس بين الأيزيدية في قصبتي بعشيقة وبحزاني في شهر نيسان، وبعد عيد رأس السنة (سه رسالى Sersalِ) مباشرة، وفي هاتين القصبتين يجيء إحياء طواف (غفورى ريياXefurِ rِya) حيث يقوم القوالون بإحياء تلك الذكرى القديمة.
الجذور القبلية للقوالين:
الملفت للانتباه أن الفقراء والقوالين يكنون بملحقة (الشيخ آدي)، أي يقال: فقراء الشيخ آدي (فه قيرين شيخادي Feqîrِên şêxadî) وقوالو الشيخ آدي (قه والين شيخاديQewalên  şêxadî).
في الأصل، ينتمي القوالون الى عشيرتين إيزيديتين فقط، وهما عشيرتي الهكاري والدوملي، وبالتالي، لا تأتي وظيفتهم بالإنتخاب وإنما بالتوارث. ولا يجوز أن ينضم إلى القوالين فرد من عشيرة مغايرة، إلا أنني سمعت من القوال سفو إبن القوال سليمان ـ رئيس القوالين، إنه بعد حملة الإبادة والتنكيل التي شنها الأمير محمد الراوندوزي الملقب (ميرى كور ـ الأمير الأعور) عام 1832م، قلَّ عدد القوالين بسبب تلك الحملة، فأقدم شخص إسمه (باسو Baso) من العشيرة الماموسية بمرافقة الطاؤوس مع القوالين، وكان متكلماً وذا فكر وعلم غزير، وانضم إلى جوقة القوالين هو وأسرته وحتى هذا اليوم.
أما مكان تواجدهم، فإن القوالين الهكاريين يسكنون في قصبة بعشيقة، والقوالين الدومليين يسكنون في بحزاني، والجدير بالذكر هنا أن شيوخ القوالين الدومليين هم من العائلة الشمسانية (شيخ ناصردين) وشيوخ القوالين الهكاريين من العائلة الآدانية (شيخ سن).
هذا الإنتماء القبلي للقوالين، جعل توزيع مواقعهم أيضاً منظماً، فبينما القوالون الهكاريون يجلسون على يمين الطاؤوس، فإن القوالين الدومليين يجلسون في جانبه الأيسر. ويمكن الافتراض أيضاً أن الهكاريين (من القوالين طبعاً) هنا يمثلون (شيخ سن) والدومليين يمثلون (شيخ شمس).
والأسلوب المتبع أيضاً أن يكون عازفو الشبّابة في الجانب الأيمن من الطاؤوس (أي هكاريين) وناقرو الدفوف في الجانب الأيسر (أي دومليين).
وللقوالين رئيس أو زعيم ينتمي الى العشيرة الدوملية، ويُنتخب من قبل المجلس الروحاني الأعلى.  ورئيس القوالين حالياً هو قوال سليمان، إبن قوال سفو (حوالي 70 سنة) ويسكن في بحزاني.
كيف يتعلم القوالون الموسيقى والعلوم الدينية؟: حتى 70-80 سنة خلت، كانت هناك مدرسة دينية في قرية بحزاني، ينهل القوالون العلم والمعرفة منها، ويتعلمون أصول التربية الدينية، وكان الأطفال في سن مبكرة (7-10) سنوات، يلتحقون بتلك المدرسة، فيبدأون بتعلم الأدعية: الأبيات والنصوص الدينية، إضافة إلى تعلم الموسيقى الدينية على آلتي (الدف والشبابة). وكان يتم اختيار أفضل القوالين معلماً لتلك المدرسة لإلقاء الدروس الدينية.
وبهذا الصدد، يُقال أن (مام عيسو ـ العم عيسو) كان رجلاً ضريراً ومعلماً لآخر مدرسة دينية في بحزاني قبل حوالي ثمانية عقود، وكان ذكياً ومتمكناً في علمه، بارعاً في إسلوبه الخطابي، وعلى يده تربى مجموعة من القوالين اللامعين من أمثال: قوال إلياس الذي وافاه الأجل منذ عدة سنوات، وكذلك قوال قوال، الذي لم يزل على قيد الحياة.
مع الأسف الشديد بعد وفاة (مام عيسو) أغلق متنفذو الأيزيدية تلك المدرسة في بحزاني، وصار القوالون يتعلمون أصول الدين في بيوتهم أو في زيارة بيوت قوالين آخرين…
القوّالون
ماالذي يتوجب أن يتعلمه القوال؟
يشترط فيمن يرغب أن يصبح قوالاً أن:
1ـ يمتلك حنكة خطابية وقابلية التحدث والإلقاء وأن يكون مقتدراً في علمه ومعرفته.
2ـ أن يكون ذا صوت عذب وجهوري
3ـ أن يتقن العزف على الدف والشبابة.
وبالتالي، يتوجب على المبتدئ قبل كل شيء أن يتعلم العزف على الشبابة şibab والنقر على الدف، فيقوم أحد القوالين المهرة؛ يقال له (سه يدا Seyda ـ أستاذ) بتعليم الطلبة الجدد دروس الموسيقى وكيفية العزف على الآلتين المقدستين.
ومن أكثر الصعوبات التي تواجه المبتدئ، هي ميلوديا النصوص الدينية. فلكل نص أو قصيدة لحن خاص، وحتى في النص الواحد تتغير الطبقات الصوتية، فيملك النص أو القصيدة 3ـ4 ألحان أو مقاطع غنائية.
وبعد أن يتمكن المبتدئون من العزف، يبدأ الأستاذ بتلقينهم 3ـ5 مقاطع من نصوص أو قصائد دينية يومياً، وفي اليوم التالي يتوجب على الطلبة إعادة كل ما تعلموه عن ظهر قلب، كي يسمح لهم بتعلم السلسلة أو المقاطع الأخرى. فيستمر هذا الأمر حتى ينتهي الأستاذ من تعليم تلامذته كافة النصوص الدينية التي في كشكوله، وبالأخص المطلوبة لوظيفة القوال.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم، وهو كيف يستطيع الأستاذ تنظيم البرنامج أو المنهاج الدراسي، وماهي أولويات التعليم، خاصة وأن علوم الأيزيدية غزيرة ومتشعبة ؟!..يبدو أن الأساتذة القوالين قد فكروا بهذه المسألة، وتم ترتيب برنامج تلقائي منذ مئات السنين، فوضعت بعض الأشياء ضمن أولويات الدروس، وهي:
1ـ الأدعية، أو أدعية التبجيل.
2ـ (قه ولى ته رقينيى ـ Qewlê Terqîniyê قول التلقين) والنصوص والأدعية التي تلقى على الأموات.
3ـ (به يتا جندى Beyta Cindî ـ بيت الجندي)، (به يتا سبى Beyta Sibê ـ بيت الصبح)، (به يتا ئيفارىBeyta êvarê  ـ بيت المساء) هذه النصوص الثلاثة التي تلقى أو تعزف يومياً في الصباح والمساء.
4ـ النصوص أو القصائد السبع التي تلقى مع طقس الـ (سه ما SEMA).
5ـ بعد تعلم النصوص يتوجب التدريب على ميلوديا هذه النصوص، وترتيلها مع مجموعات القوالين القدامى.
6ـ وكمرحلة أخيرة، يتعلم الطالب أسلوب الرواية والخطابة والذي يسمى (مسحابه ت Mishabet )، وهي عبارة عن مجموعة كبيرة من القصص والتجارب والأساطير والنصائح والعبر والتواريخ والحوادث، بالإضافة الى أساليب تفسير النصوص الدينية.
وتُعتبر هذه المرحلة آخر مرحلة يتعلمها القوال بشكل منظم، وبعدها تظهر قابلياته الشخصية وذكاؤه في كيفية التبحر في علوم وفلسفة الدين الأيزيدي وتوصيله الى الحاضر أو الجالس، وإيصال مبادئ الدين الأيزيدي على أكمل صورة إلى المستمع. بالإضافة إلى ذلك يتوجب عليه حتى الفصل في قضايا الشرع والخصام والمشاكل القانونية
ولتعلم الـ (مسحابه ت ـ Mishabet ) يمتلك القوالون أسلوباً خاصاً، فحينما يتحدث أحد القوالين المهرة، يجلس القوالون المبتدئون أمامه ويصغون إلى حديثه وأسلوب القائه، وكيفية استشهاده من نصوص الأبيات والأقوال الدينية ونبرات صوته.. الخ.
نظام ومراتب القوالين:
1ـ زعيم القوالين Meznê Qewala
يعتبر رئيساً ومرشداً للقوالين من جميع النواحي، ففي اختيارهم، تعليمهم، تعيين المجموعات التي ترسل مع (السنجق ـ الطاؤوس) إلى إقليم شنكال، وه لات شيخ، وسابقاً إلى تركيا، إقليم خالتا، ويران شهر، طور، وسوريا، وروسيا وإيران.
وزعيم القوالين عضو فعّال في المجلس الروحاني الأيزيدي الأعلى، ويسافر مع الطاؤوس أيضاً في موسمه إلى قرى الأيزيدية، وكذلك لالش حيث يدير شؤون القوالين. ينتمي رئيس القوالين إلى عشيرة (دوملي) ويعيش حالياً في بحزاني.
2ـ سنجق به كىSinceq Begê
أعلى درجات القوالين، وهو العالم الذي يقع على عاتقه المحادثة والرواية في ديوان الطاؤوس (سنجق) أي (Mishabet). ويتوجب أن يكون الـ (سنجق به كى) منتمياً إلى مجموعة القوالين الهكاريين أو الدومليين، ويجلس دوماً على يمين أو شمال الطاؤوس مباشرة، لأنهما يمثلان الـ (شيخ سن) والـ (شيخ شمس).
وفي مجلس الطاؤوس، يعتبر الـ (سنجق به كى) أعلى شخص في الديوان، حتى بحضور الأمير أو البابا شيخ أو أية شخصية دينية أخرى.
نظراً لأهمية هذا المنصب، فهم الذين يفصلون في شتى قضايا الشرع التي تطرح عليهم خلال موسم تطواف الطاؤوس، لذلك فانه يتم اختيار القوالين الأكبر سناً والأكثر خبرة وأصحاب التجارب والعلم الغزير.
3ـ رئيس العازفين ـ سه ر هوستا Serhosta
أولئك القوالون الذين يتقنون ويجيدون ميلوديا وألحان كافة النصوص الدينية سواء أكان عزفاً أو إلقاءاً.
ويعتبر الـ (سه ر هوستا) مسؤولاً عن مجموعة القوالين العازفين (كأنه قائد الأوركسترا)، ومن وظائفه: العزف على آلة الدف وإلقاء القصائد الدينية مع متابعة عزف ونقر القوالين الآخرين كي لا يخطئوا في الألحان.
الشيء الذي يجلب الإهتمام بخصوص العازفين ـ وما زلنا بصددهم ـ هو أن الذين يعزفون على آلة الشبابة şibab موقعهم في الجهة اليمنى من الطاؤوس، ويمثلون الشيخ سن. أما ناقرو الدفوف فيجلسون على الجانب الأيسر ويمثلون الشيخ شمس، والمبتدئون يجلسون على الجانبين، ويرددون القصائد الدينية، وأحياناً المقطع الأخير منها فقط.
4ـ المبتدىء şagirt = Nufِr
وهو القوال الذي يلتحق بالمدرسة الدينية ويتعلم بالتدرج مهنة القوال ويتمرن على وظائفه.
أنواع رقصة السماع (سه ما  SEMA)
في الأدب الديني الأيزيدي، هناك سبع أنواع من رقصة الـ (سه ما) ويتوجب على القوال أن يتعلمها، إلقاءاً وعزفاً. وهذه الرقصات هي:
1ـ سه مايا مه زن SEMAYA MEZIN ـ رقصة السماع العظيمة أو الكبيرة، وتدعى أيضاً السماع القانونية. ويردد مع هذه الرقصة (قه ولى ماكا ئيزى ـ قول أم أيزي).
2،ـ سه ما زه رزا SEMAYA ZERZA: على الأغلب تحبذ عشيرة الدوملية هذه الرقصة وتطلبها في طقوس زيارة السنجق للقرى الأيزيدية.
3ـ سه مايا بلند SEMAYA BILIND ـ السماع العالية.
4ـ سه مايا شيشمس SEMAYA şIşMS ـ سماع الشيخ شمس.
5ـ سه مايا شه رفه دين SEMAYA >ERFEDîN ـ سماع شرف الدين.
6- سه مايا ماكا ئيزى SEMAYA MAKA îzî ـ سماع أم أيزي.
7ـ سه مايا مه ركه با SEMAYA MERKEBA لا تمارس هذه الرقصة أثناء موسم تطواف الطاؤوس إلى القرى، بل يمارس هذا الطقس على المقابر، والنساء يدرن ثلاث مرات حول القبر وبالإمكان القول أنها (أي رقصة المركب) رقصة الأموات.
وظائف القوالين:
عندما نذكر الوظائف التي يتبناها القوالون، وتلك الخدمات التي يقومون بها لأجل حماية فلسفة وطقوس الدين الأيزيدي، عندها فقط ندرك كم أن دورهم عظيم ومبارك. حتى يستطيع المرء القول: أنهم منحوا الحياة والروح لمعتقدات الدين وحافظوا على إستمرارية فلسفة الأيزيدية وخلّدوها. ولأجل هذا يتوجب أن يعلو صوتنا جميعاً للمطالبة بعودة مدرسة القوالين الدينية، وأن يخصص للقوالين مرتب مضمون وراتب تقاعدي، لكي يبقى القوالون مستمرين في مهنتهم الجليلة التي تحافظ على عراقة وأصالة الدين الأيزيدي. ولايخفى عن البال الدور الفلسفي الكبير الذي تلعبه الموسيقى في المعتقد الأيزيدي، ويظهر هذا جلياً في أسطورة خلق آدم ونزول الروح في جسده.
فقد سأل الربُّ الروحَ، لماذا لا تريد أن تدخل جسد آدم الذي بقي سبعمئة عام دون حراك..؟
فتجيب الروح، بأنها لن تدخل الجسد مالم تنزل الـ (شاز والقدوم şaz û Qidum ـ الدف والشبابة) من السماء، لأنه هذا قرار الرب ولن تستطيع الروح أن تتجسد دونها… ففي المقاطع (32 ـ 33 ـ 34) من نص (زه بوونى مه كسور Zebûnê Meksûr ـ ويمكن ترجمتها بالراهب الخاشع) يذكر:
Bedî heft sed  sal, heft sûrr hatine hidave
qalib mabûyî bê gave
gote rûhê : tû boçî na çiye nave?
***
rûhê go : li ba aşiqa we melûme
heta bo min ji bana nên şaz û Qidûme
nîveka rûhê û qalibê Adem pêxebmer zor tûxume
***
Şaz û Qidûm hatin û hidirî
nûra mûhbetê hingavte serî
rûh hat û qalibê Adem pêxember êwirî.
وترجمتها:
بعد سبعمئة عام، نزلت سبع قوى إليه
بقي الجسد بدون حراك
قيل للروح: لما لاتدخليه؟!
أجابت الروح: عند العاشقين معلوم
مالم تنزل الدف والشبابة من الأعالي
بين الروح وقالب (النبي آدم) حدود وفواصل عظيمة.
***
نزل الدف، والشبابة، جاءت.
دخلت نور المحبة رأسه
جاءت الروحُ وتجسدت في قالب (آدم النبي).
***
يتبين هنا، تماماً، ماتلعبه الموسيقى ـ الجانب الحسي، من دور في فلسفة الدين الأيزيدي، حيث يتم إقتران دخول الروح أو تجسد الروح مع هذه الموسيقى.
بعض الأعمال والوظائف المقدسة التي يتبناها القوالون:
1ـ في لالش:
في كل عيد أو مناسبة دينية، إذ تمارس فيها الطقوس، يلعب القوالون دوراً أساسياً:
ـ في مطلع الفجر، يعزف القوالون قصيدة (به يتا جندى Beyta Cindî)، حيث يتم مخاطبة الأيزيديين في النهوض من النوم واللجوء الى العبادة والعمل.
ـ مع شروق الشمس يعزف القوالون قصيدة (به يتا س  Beyta Sibêبيت الصبح،  وتعزف مع قصيدة (مه حته ر Mehter). والأخيرة لها صيغتان تدعيان: (مه حته را ته وريزى Mehtera Tewrêzî) و(مه حته را شامى Mehtera >amî)، وهي أقرب ما تكون إلى النشيد العسكري. وحينما تعزف بواساطة الطبل والزرناية تدعى (مه يترخانه Meytirxane). (الجدير بالإشارة أن الطبل والزرنايه ممنوعة في الدخول والعزف في لالش.)
ـ في الصباح، وقت تحضير السماط، يذهب أحد القوالين عازفي الشبّابة، فيجلب السماط مع العزف من مطبخ الشيخ آدي إلى جلسة الشيخ آدي.
ـ قبل الغروب بلحظات قصيرات يعزف القوالون، والشمس تمنح أشعتها الأخيرة لذلك اليوم، يعزفون: ( به يتا ئيفارى Beyta êvarî ـ بيت المساء). وأحياناً يعزف بعد هذه (القصيدة) قصيدتي (به يتا به حرى Beyta Behrê J بيت أو قصيدة البحر) و(به يتا عه سريا  Beyta Esriyaـ بيت العصر).
ـ في المساء يجتمع الأيزيديون في جلسة الشيخ آدي ويبدأ الـ (سنج به كى) بمدح الله والملائكة والأولياء، وبإلقاء النصائح والنصوص الدينية. وحالما ينتهي الـ سنج به كى) من حديثه يبدأ بتقديم السماط.
بعد هذا يبدأ طقس رقصة السماع (سه ما SEMA)، ويتوجب حضور كافة الشخصيات الدينية أمثال: البيشيمام، بابا شي، شيخ الوزير، مير حج، مجيور الشيخ آدي، مجيور كانيا سبى، كوجه ك، بي، شيخ… الخ، وسبعة من أولئك الذين يمارسون الـ (سه ما) يدورون حول شعلة نار الـ جه قه لتو çeqeltû ).  يستمر هذا الطقس على مدى أيام العيد.
ـ يرتب القوالون أنفسهم على شكل مجموعتين إحداهما تذكر مقطعاً، والمجموعة الأخرى تذكر المقطع (السبقة) الأخرى، حيث يصبح وقت المدائح، فتلقى قول المدائح مثل: (قه ولى شيخى حه سه نى سلتانه şêxê Hesenî Siltane) و(قه ولى بازيدى باستامي Qewlê Bazîdê Bastamî) و(قه ولى بير داود Qewlê Pîr Dawûd)…الخ.
ـ أثناء تعميد (به رى شباكى Berê şibakê) يعزف القوالون مرة أخرى.
ـ في اليوم السادس من عيد الجماعية (قه باغ Qebax) عندما يأخذون العِجْل الى سدرة الشيخ شمس، فإن القوالين يسبقونهم بالعزف على الشبابة والنقر على الدف.
ـ أثناء طقس (به رى سواركردن Perî swar kirin) من سدرة الشيخ شمس و(كانيا سبى ـ العين لبيضاء) إلى مرقد الشيخ آدي.
ـ تعميد وتزيين (تجديد) الطاؤوس (السنجق) أيضاً يتوجب خلالها وجود القوالين، ويجري هذا الطقس في اليوم الأخير من المربعانية الصيفية، يجلب القوالون الطاؤوس إلى بركة ماء (كه لوكى Kelokê)المكان الذي جلس عنده الشيخ آدي ويضعونه في ماء السماق كي لا يصدأ. ويعزف (6-7) قوالين أثناء هذا الطقس.
ـ في اليوم الأخير من موسم الحج (جمايا شيخادي) يتم ممارسة الـ سه ما Sema) سبعة مرات في سبعة أماكن مناطق مختلفة (عندما نقول: سه ما، معناها بحضور القوالين والعزف على الدف والنقر على الشبابة) مثلاً في: جلسة (كانيا سبى ـ العين البيضاء)، جلسة الشيخ شمس، أيزدين أمير…الخ.
2ـ موسم تطواف الطاؤوس:
مرتان في السنة على الأقل يتم التطواف بالسنجق (الطاؤوس) في القرى الأيزيدية، وهي وظيفة القوالين بشكل خاص.
3ـ النقر على الدف، والعزف على الشبابة في المقابر:
سابقاً، وحينما كان أحدهم يحتضر، كان يحضر قوّالان ليعزفا على رأسه قول (سه ره مه ركى Sere Mergê) حتي يسلم المحتضر روحه. ولكن في الوقت الحاضر فان هذا الـ (قول) يلقي على قبر المتوفي أو (المتوفية) الجديد، ويعزف القوالون أيضاً الدف والشبابة، حينما يحمل جسد الميت من البيت الى المقبرة؛ طبعاً معزوفة الأموات تختلف بشكل خاص عن غيرها، إذ تحتوي على ألحان حزينة تدل على الندب أو النعي والمؤاساة. ويبقى القوالون سبعة أيام في بيت الميت، وفي اليوم الثالث يمارس طقس الـ (سه ما) على روح الميت.
4ـ التطهير (الختان):
سابقاً، وحيثما كان أحدهم يختن أولاده، يحضر القوالون فيعزفون لحناً خاصاً، وهذا يدل على أن التطهير يعتبر مقدساً أيضاً في المعتقد الأيزيدي.
5ـ أيام الأعياد والطوافات:
يجري في هذه المناسبات التالية ممارسة رقصة الـ (سه ما) وبحضور القوالين:
أ ـ عيد رأس السنة.
ب ـ عيد أيزي.
ج ـ عيد المربعانية الشتوي (في لالش).
د ـ عيد المربعانية الصيفي (في لالش).
هـ ـ ليلة القدر.
و ـ في الطوافات: تمارس الـ (سه ما) أثناء المساء، وقبلها يعزف (به يتا سبى Beyta Sibê) و(به يتا ئيفارى Beyta êvarê).
6- رقصة الـ ( كوفه ند Govend ):
وهي رقصة خاصة تمارس في جلسة (كانيا سبى) و(سوكا مه عريفه تى Sûka Merîfetê  سوق المعرفة) وأيضاً في موسم تطواف الطاؤوس، وجميعها تمارس مع العزف على الشبابة والنقر على الدف.
الهوامش
ـ هذا الموضوع ألقيته كمحاضرة في جامعة Georg – August – Universitet Gِttingen القسم الإيراني للبروفيسور د. فيليب كراينبروك  والدكتور لودفيك باول.، بعنوان: حول القوالين والموسيقى الدينية وكيفية تعليم أصول الدين الأيزيدي. كما نشر هذا الموضوع وباللغتين الكوردية والألمانية في مجلة: DENGÊ ÊZIDIYAN للمنتدى الثقافي للديانة الأيزيدية ـ أولدنبورك، في عددها الصادر6+7 آب/ 1997.
وبشأن هذا الموضوع أيضاً فقد حصلت على معلومات كثيرة من الأخ قوال سفو قوال سليمان الذي أشكره بدوري على معاونته تلك، وأتمنى أن يتعمق الباحثون في هذا الموضوع ليعطوه حقه.
ـ أنظر بحثي: نحو معرفة حقيقة الديانة الأيزيدية، الحلقة الثانية ،ص 38.
(**) نتمنى أن يتم إفتتاح المدرسة الدينية للقوالين من جديد في بحزاني أو لالش أو أي مكان آخر، ويخصص للقوالين الأفاضل مرتبات ومعاشات تقاعد من خيرات الأيزيدية وينظر إليهم بعين الرعاية والإهتمام.
(***) سه ما  زه رزا: كما ذكرنا فان هذه الرقصة يحبذها الدومليون بشكل خاص. وللمسألة قصة تاريخية؛ إذ يقال: ان خلافاً قد وقع بين هذه العشيرة و(مهمد ره شان). وهو من بيرة الأيزيدية وكان من خواص الشيخ آدي، وبسبب هذه الخلافات اضطر بعض الدمليون أن يرحلوا عن موطن آبائهم في (ميركه Mîrgeh) إلى تركيا، وآخرون اضطروا الى الهجرة إلى إيران.
وبسبب الظروف القاسية في الغربة، اضطر دومليو تركيا إعتناق الإسلام، فأصبحوا شيعة علويين، ولازالوا يسمون (زازا) ويقولون أنهم يتحدثون اللهجة (الدوملية). وأيضاً الذين رحلوا الى إيران فقد أسلموا. وبقي من الدومليين فقط أولئك الذين يعيشون في أرض الوطن على ديانتهم. وكما ذكرنا فان هذه القصة مخلدة في رقصة (زه رزا).

شارك هذا المقال: