دراسة عن مدينة سنجار في العصر الوسيط الإسلامي

شارك هذا المقال:

دراسة عن مدينة سنجار في العصر الوسيط الإسلامي

 

مدارات كرد

 

“الحياة العلمية في سنجار بالعراق من أوائل القرن السادس حتى منتصف القرن السابع الهجري” عنوان رسالة ماجستير قدمه الباحث الكردي (بدرخان سعيد رشيد بندي) لكلية الآداب بجامعة المنصورة في الشهر الماضي وتتناول مجمل النشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأدبية والتنظيمية لهذه المدينة التاريخية.

وأوضح الباحث في مستهل رسالته أن مدينة سنجار لعبت دوراً بارزاً في تاريخ الحضارة الإسلامية، وقد حظيت هذه المدينة جانب كبير من اهتمام المؤرخين والجغرافيين والبلدانيين فهناك إشارات عديدة حول الأحداث السياسية والحضارية في العديد من المصادر التاريخية، وأيضاً هناك دراسات حول تاريخ هذه المدينة، إلا أن الجوانب العلمية كانت أقل نصيباً من هذه الإشارات في المصادر والمراجع التاريخية حتى وأن وجدت فإنها لا تفي بالغرض أو لا تعطي للمدينة حقها ومكانتها العلمية، على الرغم من أنها كانت من المراكز التعليمية المهمة في الدولة الإسلامية وتخرج منها الكثير من العلماء والفقهاء والقضاة والأساتذة الذين تعلموا وتخرج على أيديهم الكثير من الشخصيات البارزة، كما ساعده موقعها الجغرافي المهم الذي يربط العراق ببلاد الشام على جذب الكثير من أقطاب وعلماء وفقهاء المسلمين من كافة أنحاء العالم الإسلامي، هذه الأسباب ساعدت الباحث أن يقوم بدراسة أكاديمية متكاملة حول الناحية العلمية وإظهار مكانتها ودورها العلمي.

وقد تم تقسيم الدراسة إلى تمهيد وأربعة فصول، أما التمهيد فيتناول عنصرين الأول يختص بالموقع والتسمية فقد أوضحت فيه موقع المدينة من حيث خطوط الطول ودوائر العرض، ومن حيث موقعه من الأقاليم الإسلامية وأهمية هذا الموقع وتأثيره على الناحية العلمية، أما العنصر الثاني فقد اختص بملامح الحياة السياسية في سنجار وسلطت الضوء على الأحوال والأوضاع السياسية التي شهدتها المدينة وحكم الدول المتعاقبة عليها إلى فترة البحث.

ويسلط الفصل الأول الضوء على أهم العوامل المؤثرة على الحياة العلمية في مدينة سنجار، فقد تضافرت عوامل عديدة لهذا الغرض منها الدين الإسلامي في نشر العلم والمعرفة، فقد كانت مدينة سنجار تقع على طرق المواصلات التجارية ومركز استقطاب العلماء والتجار مما أدى إلى تفاعل حضاري وثقافي مع سكان سنجار، وكذلك كان للدولة دور كبير في ازدهار الحركة العلمية متمثل في تشجيع الخلفاء والأمراء ورجال الدولة للعلم والعلماء وقرّبهم إليهم، وكان لعلماء سنجار وأهلها دور آخر في ازدهار الحياة العلمية من خلال نشاطهم الفكري والإنساني، كما كان للعامل الاقتصادي والاجتماعي دور مهم في تدوير عجلة العلم نحو الأمام، وتأتي الرحلات العلمية لتضيف عاملاً آخر في ازدهار الحياة العلمية فقد رحل العديد من علماء سنجار إلى مدن الدولة الإسلامية طلباً للعلم في الوقت الذي كانت هناك رحلات إلى مدينة سنجار نفسها مما أدى إلى تلاقح فكري نتيجة تلك اللقاءات.

وتناول الفصل الثاني المؤسسات التعليمية التي وجدت في سنجار، ويعد هذا الفصل الركيزة الأساسية التي قامت عليها الحركة العلمية، بما يكون تصوراً لطبيعة الحركة التعليمية خلال حقبة البحث، فضلاً عن بعض المؤسسات التي لم تنشأ لغرض التعليم إلا أنها ساهمت في نشر ودعم الحركة العلمية في سنجار.

وتتطرق الدراسة في الفصل الثالث إلى العلوم النقلية التي تشمل محورين رئيسيين أولهما تناول العلوم الدينية (الشرعية) التي تعد أساساً لظهور العلوم الأخرى لاسيما خلال حقبة الدراسة، وأشرنا خلاله إلى أبرز العلوم الشرعية وعلمائها سواءً أكانت في الفقه والحديث، أو في علوم القرآن الكريم التي برز فيها علماء أجلاء ولاسيما في علمي القراءات والتفسير، ومن ثم تحدثنا عن علم التصوف والزهد والذي ساهم فيه الفقهاء والمحدثون والأدباء، وتناول المحور الثاني علوم اللغة وآدابها، وهي من العلوم التي ازدهرت في سنجار إلى جانب العلوم الشرعية.

أما الفصل الرابع والأخير فقد خصص لدراسة العلوم العقلية وتتضمن الطب والصيدلة وعلم الحساب والفلك وعلم الكلام والفلسفة وأخيراً علم الموسيقى، وهذه العلوم كانت أقل انتشاراً مقارنة بالعلوم الدينية وعلوم اللغة وآدابها نظراً لظروف وطبيعة الحقبة التاريخية التي مرت بها مدينة سنجار خلال فترة الدراسة.

واعتمدت هذه الدراسة على الكثير من المصادر التاريخية الأصيلة والأولية والمراجع الحديثة التي أغنت الدارسة بمعلومات مهمة وقَيّمة، وجاءت كتب التراجم والوفيات في مقدمة المصادر التي تم الاستعانة بها، لاسيما كتب التراجم المهمة والبارزة، التي لا يستغني عنها الباحث في مجال التاريخ الإسلامي.

وخلال دراسة الحياة العلمية في سنجار توصل الباحث إلى النتائج الآتية:

_ الحياة العلمية من الميادين المهمة التي تكشف عن حقيقة كل امة في الحضارة الإسلامية، وتسلط الضوء على الجوانب المشرقة في تاريخها.

_ إن الحركة العلمية في سنجار في العصرين الزنكي والأيوبي تعد امتداداً لما كان سائداً في نفس المدينة في الفترات التي سبقت حكم الزنكيين والأيوبيين.

_ إن الموقع الجغرافي المتميز لمدينة سنجار كونها تقع على طرق المواصلات التجارية التي تربط العراق ببلاد الشام، وكذلك المناخ المتميز، وصحة الأجواء الملائمة أدى كل ذلك إلى انصراف سكانها إلى مكامن العلم والتأليف فيه.

_ على الرغم من أن المعطيات الطبيعية الثابتة للمدينة والتي تتعلق بالموقع الجغرافي، وقربها من إمبراطورية الروم البيزنطيين، بالإضافة إلى طابعها الحربي، إلا أن هذا الطابع لم يلغٍ الجانب العلمي ولم يحول دون نهضة الحياة العلمية في المدينة.

_  إن الجهود الكبيرة التي بذلها العلماء والملوك والأمراء وسواهم، وكذلك الرحلات العلمية ورصد الأموال السخية وإنفاقها على العلماء والمؤسسات العلمية حباً في العلم وأهله.

_  تبين خلال الدراسة دور الأحوال السياسية وتأثيرها في بناء أرضية خصبة لازدهار الحياة العلمية، فقد كان لأمرائها دور كبير ولاسيما في العهد الأتابكي الزنكي.

_ كان للمؤسسات التعليمية في سنجار دور كبير في تنشيط العلم والمعرفة، والركيزة الأساسية التي قامت عليها الحياة العلمية.

_ نبغ في سنجار عدد كبير من العلماء وشاركوا في شتى الميادين العلمية المتداولة خلال حقبة البحث، تأليفاً وتصنيفاً.

_  اتضح خلال هذه الدراسة أن العلوم الشرعية وعلوم اللغة وآدابها كانتا تطغيان على العلوم الأخرى المتمثلة بالعلوم العقلية(التجريبية).

شارك هذا المقال: