الكردلوجيا الإيطالية: الكرد وكردستان في المؤلفات الإيطالية.

شارك هذا المقال:

الكردلوجيا الإيطالية: الكرد وكردستان في المؤلفات الإيطالية.

د. محمود زايد

في بداية موسوعته الموجزة “الكردلوجيا” المطبوعة في أربيل عام 2014م، ذكر الكاتب والأديب الكردي (جلال زنگابادي) ملخصًا لدراسة متميزة عن الكرد وكردستان في مؤلفات إيطالية لباحثة إيطالية تدعى “ميريلا غاليتي”. وجاء فيها أن الكردلوجيا نال حظه في التراث الإيطالي بشكل ملحوظ، وإنْ كان أقلَّ مما هو عليه في تراث دول أوروبية أخرى، كفرنسا وبريطانيا وألمانيا. وأن الكردلوجيا الإيطالية تكَـوّنَت على إثر نشاط رحالة إيطاليين وفدوا على كردستان ضمن رحلاتهم إلى بلدان آسيا وغيرها، بدافع سياسي، أو تجاري، أو ديني تنصيري. وذكر زنگابادي أن كتابات الرحالة الإيطاليين العلمانيين ركزت في عمومها على ذكر الإيجابيات في المجتمع الكردستاني، أما كتابات المنصّرين الإيطاليين فقد أبرزت – غالبا – سلبيات المجتمع الكردي وقتذاك.

وفي الشأن السياسي، أوضحت الكردلوجيا الإيطالية أن أغلب الكرد كانوا بين سيطرتين: (صفوية وعثمانية)، وبعضهم لم يعترف بكلتا السلطتين، حيث كانوا مستقلين بذاتهم. وبيّنت كيف كان الكرد مركز ثقل في الحروب التي دارت بين الصفويين والعثمانيين.

وعن طبيعة كردستان، رصدت الكردلوجيا الإيطالية ما تتمتع به بلاد الكرد من ثروات طبيعية، وموارد اقتصادية متنوعة. حيث كانت كردستان محطة مهمة في طرق التجارة الدولية في الشرق، ولذلك أثر اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح على كردستان بأن جعلها منعزلة عن طرق التجارة الدولية.

كما تحدثت عن المدن والقرى الكردية، وأخلاق الكرد وطباعهم وديانتهم، وتحديدًا علاقاتهم بالمسجد، ومكانة عالم الدين في المجتمع الكردي. ومن الطبيعي أن يكون لغير المسلمين من المسيحيين وغيرهم في كردستان مكان في الرحالة الإيطاليين.

ولم تغفل الكردلوجيا الإيطالية الحديث عن المرأة الكردية، فقد وصفت بعض الكتابات الإيطالية المرأة الكردية بـ “ساحرات الجبال الموحشة”.  وذكرت أن المرأة الكردية تختلف عن نظيرتها العربية والفارسية، في كونها تتمتع بقسط من حريتها الذاتية، وأنها تتحدث مع الرجال كمثل أهلهن، سواء أكانوا من أبناء بلدتهن، أم من الغرباء.

إن ما ذكره زنگابادي عن الكردلوجيا الإيطالية، جاء مسردا في 25 صفحة لبحث متميز أعدته الباحثة الإيطالية: “ميريلا غاليتي” عن الكرد وكردستان في المؤلفات الإيطالية من القرن الـ 13 وحتى القرن الـ 19 ميلادي، والذي نُشر في مجلة “الشرق الحديث” الصادرة عن المعهد الإيطالي الشرقي في العدد (11) لعام 1978م. وقام الدكتور يوسف حبّي بتعريب هذا البحث في 75 صفحة، وعلق عليه، وأضاف له علميا في الهامش. ثم نشره في مجلة المجمع العلمي العراقي (الهيئة الكردية)، المجلد الثامن لعام 1981م.

وفي مسرده لهذه الدراسة القيمة، تميّز زنگابادي بأنه أوضح للقارئ حدود دوره في هذا المسرد، والمصدر الرئيس الذي اعتمد عليه، حيث أعطى لكل ذي جهد حقه من المؤلفة والمترجم. ونوّه زنگابادي إلى أمر خطير، بأن أحد الكتّاب قد انتحل بحث “ميريلا غاليتي”، ونشره على أنه دراسة من تأليفه، في مجلة (گولان العربي) العدد (43) 31 ديسمبر 1999م. وبيّن زنگابادي ذلك في العدد التالي في (گولان العربي) تحت عنوان: “الكورد في الدراسات الإيطالية أهي دراسة موضوعة أم منتحلة؟!”.

ثم قام زنگابادي بعرض بحث ميريلا، معلقًا على بعض النقاط والمعلومات الواردة فيه. وفيه تم تقسيم المصادر الإيطالية عن الكرد وكرستان إلى ثلاث فئات: 1- الآثار المخطوطة، وأورد ثلاثة نماذج منها. 2- الأعمال المطبوعة (القرون 13 – 19م)، وذكر منها 35 نموذجًا. 3- الأعمال المطبوعة في القرن العشرين. لكن لم نجد نموذجًا لها، فلربما سقطت مادتها العلمية سهوا، أو هناك سبب آخر يعلمه أ. زنگابادي نرجوه أن يوضحه لنا.

والمنهج الذي أورده زنگابادي في سرد هذه المخطوطات والمطبوعات هو السرد الببلوجرافي المرتب ترتيبا تاريخيا بحسب أسبقية ظهور الدراسة. وهو منهج في الكتابة والتأليف في مثل هكذا موضوعات. وهناك مدارس أخرى تتبع المنهج الموضوعي بحيث يتم جمع كل المؤلفات التي تتحدث عن موضوع واحد، ويتم تحليلها والمقارنة بينها، أو يتم الحديث عن الموضوع الواحد في كل المؤلفات مع دراستها وتحليلها والمقارنة والموازنة بينها، ثم يتم الانتقال إلى الموضوع التالي وهكذا.

كما أننا كنا نود أن نعلم: هل لازلت المخطوطات الثلاث على وضعها دون نشر حتى الآن؟ فالباحثة الإيطالية أعدت بحثها ونشرته في عام 1978م، ونحن الآن في عام 2015م، أي أن هذا البحث مرّ عليه حوالي 37 عامًا. فهل من المعقول أن المخطوطات الثلاث لازلت كما هي؟ وإذا كانت، فلماذا لم تعمل المؤسسات العلمية الكردية، كـ الأكاديمية الكردية وغيرها من الجامعات بالحصول على نسخة منها، وتحقيقها وترجمتها ونشرها؟

شارك هذا المقال: