دليل مبسط لاقتصاد السوق الاجتماعي

شارك هذا المقال:

Easy Guide to Social Market Economy

دليل مبسط لاقتصاد السوق الاجتماعي

سيباستيان سبيرلينغ جامعة سيدني, استراليا.

 

 

ترجمة: الدكتور مسلم عبد طالاس

 

المحتويات :

اولا الفكرة الأساسية.

ما هو اقتصاد السوق؟

هل تعمل السوق من تلقاء ذاتها؟

ما هي درجة الحرية التي تحتاجها؟

ما هو دور حقوق الإنسان؟

ما هي العدالة الاجتماعية؟

كيف ننجز العدالة الاجتماعية؟

ثانيا دور الدولة .

كيف تؤمن الدولة الاستخدام الكامل؟

كيف يمكن للدولة أن تثبت الاقتصاد؟

كيف يمكن للدولة ضمان حقوق العمال؟

كيف تنظم السوق؟

ما هي السلع العامة؟

ما هو الرفاه الاجتماعي؟

كم من الدولة (تدخل الدولة) يكفي؟

ثالثا- وجهة نظر.

ما هي التحديات المستقبلية ؟

هل تعني العولمة نهاية اقتصاد السوق الاجتماعي؟

 

 

 

 

أولا- الفكرة الأساسية :
ما هو اقتصاد السوق:
الاقتصاد القومي ظاهرة معقدة . حيث هناك الملايين من القرارات التي يجب اتخاذها كل يوم فيما يتعلق بـ: ما الذي يجب انتاجه وما هي الخدمات التي يجب تقديمها ؟ وكم يجب أن ننتج ؟ ومن سيتلقى النتائج؟ وما هي الأسعار؟
  بعض الدول تعتقد أن من الأفضل أن تقوم الدولة باتخاذ كل تلك القرارات. وهكذا تخبر الدولة الناس مالذي يجب إنتاجه , وكم يجب أن ينتج , وتضع السعر لتلك السلع والخدمات. لكن أي من تلك الاقتصادات الأوامرية لم ينجح. وفي الحقيقة , أغلبها سقط في بداية التسعينات, وابرزها الاتحاد السوفيتي. في يومنا هذا هناك القليل من البلدان التي تحاول فيها الدولة التحكم بكل الأنشطة الاقتصادية , مثل كوريا الشمالية وكوبا. على أية حال لا يجب المراهنة على نجاحها اقتصاديا. الآن أكثر البلدان تتفق على أن القرارات الاقتصادية الأساسية لا يجب ان تتخذها الدولة , ولكن يجب أن يتخذها الناس الذين يعرفون بشكل أفضل. كل شخص حر في تقرير ما ينتج وما يشتري. كل الأنشطة الاقتصادية منظمة فيما يعرف بالسوق. تماما كما السوق هي مكان التقاء المشترين والبائعين, هي مكان التقاء العرض والطلب , والعرض والطلب يحددان السعر. والسعر هو المؤشر الساحق في اقتصاد السوق, والمهم, أنه يعطي المعلومات حول اي السلع والخدمات يحتاحها المجتمع.
  يريد الناس في اقتصاد السوق كسب النقود, يريدون أن يحققوا أرباحا, ويعرفون أفضل من غيرهم أين يحققون ذلك. يتنافسون فيما بينهم ويسعون لأن يكونوا الأفضل بين أقرانهم. الاقتصاد المعتمد على القرارات الفردية والمنافسة هو الذي يدعى ” اقتصاد السوق” . بمقدار ما نعرف, تفعيل اقتصاد السوق يضمن فعالية أكبر في تخصيص الموارد.
هل يعمل اقتصاد السوق من تلقاء ذاته؟:
والجواب هو:لا. فهو يحتاج للدولة لوضع الإطار. يجب أن تقدم الدولة البنية الأساسية, مثل الطرق والأمن. يجب أن تضمن الدولة الحدود الدنيا من التعليم وحرية العمل وحرية الملكية والمنافسة. ويجب ان تهتم الدولة بمن لا يستطيع المساهمة في عملية السوق: لأنهم مرضى, أو لا يجدون فرص العمل , أو أنهم من كبار السن. بالنسبة لهؤلاء الناس , يجب أن تقدم الدولة نظام ضمان أساسي, في شكل تأمين أو نظام تعويضات. حتى هذه النقطة هناك اتفاق مع أكثر أنصار اقتصاد السوق الليبرالي. وهم يعتقدون أن هذا كل ما يجب أن تفعله الدولة. حيث يجب أن تقدم الدولة الإطار القانوني الأساسي, تلطف بعض المصاعب, وتترك السوق تمارس سحرها. في اقتصاد السوق الليبرالي التركيز هو على حرية الفرد. يرى المدافعون عنه أن زيادة التدخل الحكومي, يعني زيادة تقييد حرية الفرد, ويعني أن يكون أداء نظام السوق أقل فعالية.
  لايتفق انصار اقتصاد السوق الاجتماعي مع ذلك. ويرون أن دور الدولة هو أكبر من ذلك بكثير, ويجب أن تحدد الحرية الفردية بمدى معين. وإذا اعتقدنا أن هذا يجب تبريره, فإننا على حق. قبل أن نلقي نظرة متفحصة على ما الذي يجب أن تفعله الدولة, سنحاول أن نفهم في البداية لماذا يجب على الدولة أن تبذل جهودا.
 
 
 
مقدار الحرية الذي يحتاجه الفرد:
بالطبع الفرد الذي ينشط في اقتصاد سوق يجب أن يكون حرا. يجب أن يسمح للفرد بأن يفعل ما يريد, يشتري ما يريد ويوقع عقود العمل ويعمل حيث يريد ويحدد ما يطلبه. يجب أن يسمح للفرد بحرية التفكير والاعتقاد والتعبير. ويجب أن يكون حرا في الامتلاك والتصرف بملكيته. إذا هذه هي الليبرالية الديمقراطية. إذا كنت تمتلك مشغل خياطة وتريد خياطة بعض القمصان العصرية وبيعها في السوق , تفضل وحظا سعيدا..
  على أية حال ماذا إن لم تكن تملك شيئا؟ هذا هو السؤال الذي طرحه مؤسسي اقتصاد السوق الاجتماعي. حسنا , حتى إذا لم تستطع بيع القمصان التي صنعتها في المنزل في السوق, ما زلت بحاجة للأكل . لذلك يجب أن تجد عملا. فجأة وبشكل محتم أنت تعتمد على أرباب العمل.
  يمكن لأرباب العمل أن يستغلوا هذا الوضع, أن يجعلوك تعمل بجنون لساعات طويلة ويدفعون لك أجرا هزيلا جدا. ما الذي يمكنك أن تفعله للحصول على النقود للطعام؟ ماذا عن حرياتك العظيمة عندئذ؟ إذا كنت بحاجة ماسة للعمل يجب أن تقبل بأي عقد. وحريتك في الاختيار والعمل حددت فجاة.
  بسبب هذا الخطر في الاستغلال, يرتكز قتصاد السوق الاجتماعي على فهم مختلف للحرية. حيث يستهدف حرية متساوية للجميع. وبشكل مختلف عن الليبراليين, أنصار اقتصاد السوق الاجتماعي, يرون أن حرية الملكية تحتاج لأن تقيد عندما تؤثر على حرية الآخرين. الملكية تحمل المسؤولية (الالتزامات). ويجب أن تستخدم للصالح العام وبفعالية واستخدامها لا يجب أن يضر بالآخرين, مثلا , إذا كنت تدير مصنع ألبسة مع عشرآلات خياطة, يجب أن تحترم حقوق عمالك. ويجب أن تقبل أيضا أن تأخذ الدولة جزءا من ملكيتك( في شكل ضريبة) لمصلحة المجتمع.
ما هو دور حقوق الإنسان:
الحريات المذكورة أعلاه مضمونة بالقانون الدولي. في عام 1966, وضعت الأمم المتحدة ” العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”. واتفقت 151 دولة على ضمان هذه الحقوق: حرية الكلام, وحرية العمل , وحرية الملكية ….الخ.
  لكن هل تعتقد , مرة ثانية, أنك ستهتم كثيرا بحقوقك السياسية إذا لم تكن تمتلك ما يؤكل؟ أو إذا لم تكن تستطيع قراءة القانون لأنك لم تذهب للمدرسة؟ من الواضح أن عدم المساواة الاقتصادية والتعليمية تمنعك من حقوقك السياسية. وهناك الكثير مما يتعلق بالحياة الانسانية غير السياسية. لذلك وضعت الأمم المتحدة المجموعة الثانية من حقوق الإنسان :”العهد الدولي للحقوق الثفافية والاجتماعية والاقتصادية”. وسيدهشك مدى شمولية هذه الفئة الثانية من الحقوق.
مثلا 148 دولة وقعت هذه المعاهدة واتفقت على ضمان مايلي:
حق المساواة الاقتصادية والاجتماعية.
حق العمل وكسب أجر لائق.
حق الضمان الاجتماعي والحماية من الجوع.
حق الحصول على السلع الأساسية العامة(تعليم صحة…).
حق حماية الكرامة في مكان العمل.
حقوق تشكيل النقابات.
الولايات المتحدة من الدول الصناعية الرئيسية القليلة التي لم توقع على معاهدة الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وهذا يتناسق مع أن الولايات المتحدة تتبع نموذج اقتصاد السوق الليبرالي الذي يتطلب حصرا حماية الحقوق المدنية والسياسية. اقتصاد السوق الاجتماعي في الاتجاه الآخر يستهدف حماية وتوازن كل حقوق الإنسان ( المجموعات الخمسة : المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية) لذلك تقدم نوع من العدالة الاجتماعية.
ما هي العدالة الاجتماعية؟
إذا كنت تتوقع إجابة سهلة لهذا السؤال, فاستعد لخيبة الأمل. فقط خذ دقيقة وحاول أن تجد تعريفك الخاص. حسنا, ربما اكتشفت حالا أن دقيقة ليست كافية, وربما توقعت أن الكثير من الناس لن يتفقوا مع تعريفك. في الحقيقة إذا سألت 100 شخص مختلف , قد تتلقى 100 تعريف مختلف للعدالة الاجتماعية وربما الكثير من الاقتراحات حول كيفية قياسها. أفكار العدالة الاجتماعية تعتمد على الأوضاع والمواقف الشخصية. بذلك فإن المجتمع الذي يريد إنجاز شيء مثل العدالة الاجتماعية فإن عليه أولا أن يؤسس لفهم مشترك . ما الذي نعنية بالعدالة الاجتماعية وكيف نريد انجازها؟
  أحد المقاربات الشائعة هي تعريف العدالة الاجتماعية بأنها تكافؤ الفرص وفرص الحياة المتساوية. يجب أن يكون لديك نفس الفرصة في الحصول على تعليم جيد وعمل جيد كما أي شخص آخر, ويجب أن يكون لديك نفس فرص التمتع بحياة لائقة . بنفس الطريقة , كل شخص يجب أن يكون محميا من مخاطر الحياة, مثل المرض والحوادث وفقدان السكن والبطالة…الخ.
كيف يمكن انجاز العدالة الاجتماعية؟
للدولة دور رئيسي في تأمين العدالة الاجتماعية. علي أية حال , هذا مسعى صعب. إذا سويت وعدلت الظلم , بعض الناس سيخسرون, وآخرون سيكسبون. وهكذا , فإنه ليس غريبا أن نفترض أن مدير بنك لديه فكرة مختلفة للعدالة الاجتماعية بالمقارنة مع سائقه. لموازنة المصالح المختلفة نحتاج إلى عملية سياسية ملائمة وشاملة. يجب أن يقول الجميع, أن هناك أمكانية لتسوية جيدة وملائمة للجميع. عند هذه النقطة , الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ( العدلة الاجتماعية) تقابل الحقوق المدنية والسياسية مرة ثانية. كلا المجموعتين من الحقوق تحتاجان بعضهما البعض.
  لماذا يجب على الخاسر أن يتفق على التسوية؟ أنصار اقتصاد السوق الاجتماعي لديهم فكرة الإنسان مختلفة عن فكرة الليبراليين. يفترضون أن أنك لا تهتم فقط بنفسك , بل بأصدقائك وجيرانك وشخص فقير ينام تحت الجسر. حتى إذا راكمت أخيرا مليونك الأول , ستبقى مهتما ببعض السلام الاجتماعي. في النهاية, لن ترغب في التعرض لخطر ثورة الفقراء , حيث تقوم مجموعة من الجائعين بهز سياج فيلتك.
  وهكذا فإن كل شخص له مصلحة في إيجاد اتفاق اجتماعي على المستوى المرغوب من العدالة الاجتماعية. في النظام العام, يتعلم الناس أن كل شخص سيكون في وضع أفضل إذا كان كل شخص مستعدا للتعاون. ففي النهاية كلنا في نفس القارب.
إذا ما هو اقتصاد السوق الاجتماعي؟
في اقتصاد السوق الاجتماعي, تستفيد الدولة والمجتمع من فعالية نظام السوق ويلائمونه ليخدم حرية الفرد. يجعل السوق جزءا من صيرورة سياسية اجتماعية , حيث تنسق فعاليات المجتمع والدولة أنشطة السوق. آليات السوق تكيف بطريقة تؤمن فرص حياة متساوية لكل المواطنين وتقود إلى نوع من العدالة الاجتماعية. اقتصاد السوق الاجتماعي يستهدف أساسا حماية حقوق الإنسان الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمدنية.
  اقتصاد السوق الاجتماعي ليس وصفة سهلة, بل هو صيرورة. أنه موضوع انجاز تسوية وأيجاد التوازن الصحيح. الانتاجية والنمو والمرونة والابتكار يجب أن يوازنا مع العدالة الاجتماعية والأمن الاجتماعي. أهداف رفع مستوى المعيشة والاختيار الحر للمستهلك يمكن تتعارض مع اهداف الاستخدام الكامل والمحافظة على البيئة والرؤية الاقتصادية البعيدة المدى.
  النظام يرتكز على قيم الديمقراطية والتماسك والشراكة الاجتماعية والاعتقاد أن كل المواطنين ليسوا فقط ساعين للمصلحة الخاصة , بل يهتمون أيضا بالسلام الاجتماعي والمصالح الاجتماعية.
 
بعض الاختلافات الأساسية بين اقتصاد السوق الاجتماعي والليبرالي ملخصة في الجدول التالي:
اقتصاد السوق الاجتماعي
اقتصاد السوق الليبرالي
أولوية السياسة : اقتصاد سوق منسق
الأولوية للأسواق : اقتصاد سوق غير منسق
الحرية الشاملة : حرية متساوية للجميع
الحرية السلبية : أقصى حرية للفرد
التوازن بين الإنتاجية والأهداف الاجتماعية
التركيز على الإنتاجية
دولة رفاه قوية
ضمان اجتماعي أساسي
حماية للأنواع الخمسة من حقوق الإنسان
التركيز على الحقوق المدنية والسياسية
 
ثانيا دور الدولة :
ما الذي فهمته من القسم السابق؟ ليس الكثير؟ حسنا , لكن في أضعف الأحوال يجب أن تتذكر مايلي: السوق هي الآلية الأكثر فعالية لتنظيم الأنشطة الاقتصادية, لكن نتائجها ليست كاملة. فهي تحتاج لبعض الجهود لإبقاء الأسواق عاملة, ويجب أن تكيف وتكمل بسياسات حكومية لتأمين الحقوق الإنسانية الخمس لجميع المواطنين. هل تتفق مع ذلك ؟
  تهانينا إذا كنت تتفق مع ذلك , لأنك من الآن وبسبب ذلك قد عينت رئيسا لدولة Cosmec أي (Country of social market economy ) . هل أنت سعيد ؟ لا تفرح كثيرا: هناك مهام كبيرة تنتظرك .
  في الفقرات التالية , سوف ننظر عن قرب إلى دور الدولة وبعض الأدوات الهامة التي تستخدمها بشكل شائع للقيام بدورها.
كيف تؤمن الدول الاستخدام الكامل؟
كل مواطن له حق العمل ليس فقط لأن العمل يدر الدخل وبالتالي الطعام, بل أيضا لأن العمل يعطي الوجود الإنساني معنى, ودور في المجتمع. إذا كيف يمكنك تأمين هذا الحق الإنساني لمواطني Cosmec؟
  حسنا , لن تكون قادرا على خلق فرص عمل لكل شخص أو تجبر أرباب العمل على استخدام عمال أكثر. لأن هذا سيخرق مبادئ السوق. ولكن كما العديد من الدول الأخرى, يمكن أن تنشغل بالأعمال المشجعة للعمل. مثلا , إقامة وكالات حكومية لاستخدام العاطلين عن العمل , أو المساعدة في إعادة تأهيلهم لأعمال مستقبلية وتقديم الاستشارات والتدريب المهني.
  إضافة إلى ذلك, يجب أن تتأكد أن هناك عرض عمل مستقر. أي التأكد من أن الاقتصاد يسير بشكل جيد.
كيف تؤمن الدول استقرار الاقتصاد ؟
عبر الزمن , حتى أكثر الاقتصادات ازدهارا مرت بدورات. صعدت وهبطت وصعدت ثانية, مواجهة الأزمة والازدهار وهكذا… رغم أنه ليس هناك أحد يعارض الازدهار, لكن الأزمات يمكن أن يكون لها آثار قاسية على على بعض المواطنين وتؤثر بشكل سيء على فرصهم في الحياة.
  لكن هناك أمر يمكن فعله في مواجه ذلك. قبل حوالي مئة سنة , اقترح الاقتصادي جون مينارد كينز سياسات الدورة الاقتصادية. الفكرة بسيطة: أنت تدخر النقود في فترات الازدهار. عندما تحدث أزمة , تستخدم مدخراتك لشراء السلع والخدمات. أنت تحفز الاقتصاد بواسطة خلق طلب عام. بتطبيق أفكار كينز ستلطف من الدورة الاقتصادية . الازدهار لن يكون عظيما جدا, لكن الأزمة بدورها لن تكون سيئة.
  في يومنا هذا أكثر الدول تهتم بتأمين بعض أنواع الاستقرار الاقتصادي. مثلا , الحكومة الألمانية , وافقت على ما دعي ” ميثاق الاستقرار” في عام 1967. وفقا لذلك , يجب أن تؤمن الدولة اسعارا مستقرة واستخداما عاليا وتوازن في التجارة. في أكثر الديمقراطيات ” الأسعار المستقرة” ( التي تعني تضخما منخفضا) عادة تراقب بواسطة بنوك مركزية . بافتراض أن (Cosmec) ليست استثناءا , قد تصيبك خيبة الأمل أن تقرأ أنه حتى كرئيس يجب أن لاتقترب من طابعي النقود.
كيف تؤمن الدولة حقوق العمال؟
المستخدمون(بفتح الدال) يعتمدون على مستخدميهم. يجب أن تضمن أن هذا الاعتماد لا يقود للاستغلال وخرق حقوق الإنسان. وفقا لعهد الأمم المتحدة, كل عامل له الحق في أن يكسب أجرا لائقا وفي العمل في ظل شروط ملائمة وأن يمثل في النقابات.
  معظم الدول تفرض تقييدا على سوق العمل, حول كيفية الاستخدام والتسريح (الحماية من التسريح) وظروف العمل. ولديها قوانين تحدد سقف ساعات العمل, ومعايير أمان, والأمومة والمساوة بين الجنسين.
  لكن ليس ضروريا أن تعالج كل القضايا المتعلقة بالعمال بنفسك. في ألمانيا على سبيل المثال, تنظم الدولة فقط الأرضية القانونية التي يبني عليها العمال وأرباب العمل الاتفاقيات.
  على المستوى الصناعي , نقابات العمال التي تمثل العمال في صناعة واحدة والجمعيات الصناعية تقرر ساعات العمل والعطل والأجور العامة الملزمة لشركات القطاع.
  على مستوى الشركة الواحدة, تضمن حقوق العمال بما يدعى بالعقد الجماعي(co-determination). في الشركات التي تستخدم أكثر من عامل , للعمال الحق في تأسيس مجالس عمل لها كلمة في القرارات الهامة للشركة. أكثر من ذلك هناك مجالس الإشراف من عدد متساو من ممثلي العمال وحملة الأسهم. في النهاية , مطلوب شرعية (تقليد) ديمقراطية ليس فقط على مستوى الحكومة بل على مستوى الشركة أيضا.
كيف تقونن (تنظم ) السوق؟
هناك شيء واحد تريد تجنب حدوثه في (Cosmec) : أن تمتلك شركة منفردة قوة كبيرة بحيث يمكنها أن ترفع الأسعار كما تريد, لأنه ليس لها منافسين جديين. مهتمك سيدي الرئيس هي أن تجعل مبادئ المنافسة تعمل وتمنع تكوين احتكارات القلة (قلة من المتنافسين) والاحتكارات (متنافس واحد).
  أحد الخيارات هو إقامة ” لجنة احتكارات القلة والاندماجات” , كوكالة حكومية تراقب سلوك السوق وتضمن أن هناك متنافسين مستقلين كافين في أي سوق لوحدها.
  لكن حتى في الأسواق العاملة, يمكن أن ترغب في تنظيم سلوك فعاليات السوق. الدول التي تفعل ذلك تفعله لسببين : أولا, لحماية البيئة. فقد ترغب في التأكد أن مالكي المصانع لا يصبون مخلفاتهم في البحيرة التي هي مخزنك للمياة العذبة. أو قد تقرر أن أنتاجهم يجب أن يحقق معايير بيئية. يمكنك أن تلزمهم بأن ينتجوا السيارات التي تنتج نوع محددد من العادم, أو أن يبيعوا شرابهم في زجاجات قابلة للاسترداد. يمكنك أن تقدم الإعانات لصناعات صديقة للبيئة. أو يمكنك عدم التشجيع على استخدام منتج معين بفرض ضرائب خاصة, كما ضرائب البترول في أكثر البلدان.
  السبب الرئيسي الثاني للتدخل في السوق هو حماية المستهلكين. الحماية من ماذا؟ من أجل التبسيط: الحماية من نقص المعرفة. نظريا , المستهلك لديه معلوكات كاملة حول نوعية المنتجات كلها. وفي الواقع المستهلكون غالبا ما لايمتلكون الفرصة لتقييم نوعية السلع والخدمات. لايستطيع المستهلكون معرفة كل ما يعرفه المنتجون حول المنتج, يسمي الاقتصاديون ذلك “عدم تطابق المعلومات” . لتجنب استغلال المنتجين لذلك يمكنك أن تقرر إلزام الموردين الالتزام بنوعية محددة أو معايير أمان. أو قد تجبر المنتجين على أن يعلنوا عن طعامهم, مثلا لكي يعرف المستهلكون ما إذا كانت المكونات منتجة في مزرعة أو مختبر كيماوي. او قد ترغب في إقامة وكالة تفحص سلع المستهلكين وتنشر النتائج.
           هناك أداوات وخيارات غير منتهية للتدخل في السوق: يمكنك أن تبدأ معركة بأن تطلب منع منتج محدد, أو تفرض متطلبات منتج محدد , أن تفرض ضريبة…الخ. مها كان ما تفعل , يجب أن تعلم أنك ستغير نتائج السوق. باعتبارك مازلت تريد السوق فعالة , تأكد أن تدخلك هو صديق للسوق ( أو مثبت للسوق) قدر الإمكان. تذكر: بمقدار ما السوق ممكنة, الدولة ضرورية.
ما هي السلع العامة؟
أكثر الأشياء تنتج بشكل أفضل(أكثر فعالية ) في مجال السوق. على أية حال هناك بعض السلع والخدمات الهامة لا يجب أن تنتج في ظروف السوق على الإطلاق, أو ليس إلى مدى كاف , إنتاج هذه الأشياء لا يعد بأي ربح لأنه غير ممكن, أو على الأقل من الصعب جدا, أن تفرض مقابلا على مستخدم السلعة, أو تستبعد المستخدم الذي لم يدفع مقابلها. لذلك, المستثمر الخاص لن يضع أي نقود فيها. على أية حال بعض هذه الأشياء هي ضرورية فعلا للاقتصاد الوطني, مثلا الطرق وجمع النفايات وحقوق الملكية القابلة للفرض أو الأمان الوطني. لذلك وغالبا ما تكون الطريق الوحيدة لضمان توفر هذه السلع للمواطنين كلهم هو أن تجمع الضرائب وتقدم السلعة بنفسك .
  هناك سلع وخدمات هامة أخرى حيث يمكن ان تحقق الشركات الخاصة أرباحا منها, لكن قد يكون لديك سببا لتفترض أن هذه السلع لا يجب أن تقدم للمواطن في السوق الحرة , أو يجب أن يكون ممكنا شراؤها للجميع. ومرة ثانية , يمكنك أن تقرر أن تقدمها بنفسك. هذا يتضمن أشياء مثل البريد والكهرباء والنقل العام او الاتصالات. في السنوات الأخيرة , الكثير من الدول خصخصت هذه القطاعات . لكنها مازالت خاضعة لقوننة صارمة والشركات التي تدخل هذا المجال يجب أن تلتزم بالتزامات خاصة.
  هناك قطاعات ذات أهمية هائلة لن , كما يؤمل, تخصخص تماما من قبل أي بلد, والأكثر أهمية منها الصحة والتعليم. أم أنك تخطط للسماح بسوبر ماركت تعليم مع خصومات على الرياضايات والجغرافيا في Cosmec ؟ أو مزايدات ويانصيب لعلاجات السرطان؟ حسنا سوف تدخل في مشاكل مع الأمم المتحدة. باعتبار الوصول إلى التعليم والصحة حقوق إنسان أساسية.
  هناك مجموعة أخرى من السلع العامة يجب أن تهتم بها: تلك التي هي موجودة سابقا بشكل طبيعي , بدلا من تقديم هذه السلعة عليك حمايتها من إفراط الاستخدام والاستغلال. البيئة والهواء النظيف هي المثال . يمكنك أن تقونن استخدام هذه السلع , كما تم الإشارة في قسم ” تنظيم السوق”
ما هو الرفاه الاجتماعي:
الدول تقدم الحماية الاجتماعية ضد المخاطر التي تهدد حقوق المواطن الأساسية وتاثيرها على فرصه في الحياة. بعض المخاطر الأساسية هي حوادث العمل, المرض, الفقر في الشيخوخة البطالة …. لكل هذه الأسباب تقدم الدولة شبكة الأمان الاجتماعي . العديد من الدول أقامت إطارا للتنظيم لنظم التأمين الاجتماعي, مثل الصحة والتقاعد, أو استخدام الضرائب لتقديم مساهمات مباشرة…
  السؤال الأساسي الذي يجب أن تجيب عليه هو : ما هو نوع المخاطر التي يتعرض لها مواطنيك؟ ما هو التوازن الصحيح بين المسؤولية الاجتماعية والشخصية؟ من يجب أن يتلقى مساعدات ؟ وكم؟
  ” كم” بشكل خاص هي التي تناقش دائما بجدل. لنأخذ مثال تعويضات البطالة: الليبراليين الذين يقبلون المستوى الأساسي للضمان الاجتماعي يناقشون أنه يجب أن يكون هناك معاير منخفضة جدا للمبالغ التي تدفع للعاطلين عن العمل من أجل تحفيزهم على البحث عن عمل وقبول العمل الجديد. من جهة أخرى, نظم الرفاه الاشتراكية الديمقراطية تسمح بتعويضات للبطالة لا تكفي فقط للاستمرا , بل المحافظة على مستوى المعيشة السابق.
من يدفع الفاتورة؟
تقديم السلع العامة, عقد شبكات اجتماعية, خلق الطلب العام……الحفاظ على اقتصاد السوق الاجتماعي يبدو مكلفا, أليس كذلك؟ الخبر الجيد هو : أنت لن تدفعها من محفظتك الرئاسية. التأمين الاجتماعي عادة يمول من خلال مساهمات إجبارية لكل من أرباب العمل والعمال. بشكل متزايد , تختار الدولة نظما مزدوجة: تنظم الدولة التأمين الأساسي, والذي يجب أن يكمل بالتأمين الخاص.
  المصدر الرئيسي لدخل الدولة هو الضريبة, والأكثر أهمية بينها هو الضرائب المباشرة على المواطنين ودخل وأرباح الشركات. عادة , هذه الضرائب متصاعدة, الأمر الذي يعني أنه كلما زاد دخلك فإن حصة أكبر من دخلك تحول إلى الدولة. الفكرة هي أن الغني (أنت الرئيس)يدفع أكثر, بينما الفقير ( سائقك السابق) عادة يتلقى منافع اجتماعية أكثر. لذلك الدولة تعيد توزيع الثروة وتقرب الفجوة بين الفقر والغنى.
كم من الدولة كاف؟
هل ما زلت تريد أن تصبح رئيسا؟ أم أن المهام المستقبلية أغرقتك؟ حسنا لا تعتقد أن كل الأشياء يجب أن تقوم أنت يتنظيمها وتقديمها. اقتصاد السوق الاجتماعي يقوم به إلى حد بعيد فعاليات السوق( ارباب العمل, العمال , المستهلكون) وفعاليات المجتمع المدني ( نقابات , جمعيات أعمال, جمعيات حماية المستهلك …الخ ). في الحقيقة , لكل مواطن منفرد واجب: دولة الرفاه الاجتماعي يمكن أن تعمل فقط إذا تحمل مواطنوها مسؤولية معيشتهم والمساعدة المطلوبة من المجتمع فقط إلى حد, عندما يكون هو غير قادر على كسب عيشه بنجاح. يجب أن تضع إطارا وجعل الأمور عامة, لكن كقاعدة إشارة إبهام , تذكر كلمات كارل شيلر ” بمقدار ما السوق ممكنة الدولة مطلوبة”.
ثالثا- وجهة نظر :
ما هي التحديات المستقبلية ؟
أكثر الدول ذات اقتصاد السوق الاجتماعي ودولة الرفاه الكبيرة تعاني من دين عام كبير وصراع من أجل تقديم موازنة متوازنة. دولة الرفاه هي تحت الضغط, لثلاث أسباب رئيسية :
أولا, عدد فواتير الرفاه الاجتماعي تنمو. العديد من الأمم الصناعية تواجه مجتمعا كهلا, الأمر الذي يعني زيادة نسبة الناس الذي يتلقون تعويضات التقاعد لفترات متزايدة من الزمن . أكثر من ذلك , تعاني العديد من الأمم الصناعية من النمو البطيء والفشل في ضمان استخدام مرتفع , لذلك فإن نسبة كبيرة من المجتمع تتلقى تعويضات بطالة أو إعانات إجتماعية. بالطبع , البطالة الهيكلية المرتفعة هي أكثر من مجرد مشكلة مالية , باعبتارها تنتهك حق أساسي للإنسان في العمل.
ثانيا, رغم أن عدد المستفيدين يتزايد, العدد النسبي للمساهمين في نظام الضمان الاجتماعي ينخفض. العمال يتحملون عبء الضريبة الرئيسي( بدفع ضريبة الدخل), لكن بسبب البطالة المرتفعة وكهولة المجتمع , نسبة الناس العاملين في المجتمع تتقلص. باعتبار الناس في العمل يجب أن يتحملوا عبئا متزايدا , فإن مشروعية وعدالة نظام إعادة التوزيع تصبح محل تساؤل.
ثالثا, العولمة الاقتصادية عادة تعرف كتهديد أساسي لاقتصاد السوق الاجتماعي: رأس المال يصبح متحركا بشكل متزايد, وعدد متزايد من الشركات متعددة الجنسيات القوية ويمكن ببساطة أن تنسحب من الدولة. أولا هذا يؤدي إلى الهرب الضريبي . تغش الشركات المتعددة القوميات في موازناتها وتحول أرباحها من خلال الهيكل المعقد لتنظيمها حتى لا يبقى شيء للضريبة. ثانيا تستخدم هذه الشركات قدرتها على مساومة الدولة على تخفيض معايير العمالة والبيئة وحماية المستهلك.
  لذلك الاتجاهات الاجتماعية والركود الاقتصادي والعولمة الاقتصادية تفسد أساس اقتصاد السوق الاجتماعي, ومعظم الانتقادات تعتقد أن هناك معالجة واحدة : دولة أقل , وسوق أكثر أي العودة إلى الليبرالية . هل الأمر كذلك؟
هل تعني العولمة نهاية اقتصاد السوق الاجتماعي؟
هناك ثلاث حجج جيدة ضد الحكمة التقليدية بأن العولمة تتطلب حتما تعليق المبادئ الاجتماعية واختيار النموذج الليبرالي.
أولا, نظرة قريبة على استجابة الدول المنفردة لضغوط العولمة تدل على أنه ليس هناك نموذج موحد. بدلا من ذلك المؤسسات الوطنية تخفف من آثار العولمة . بعض الدول, وخصوصا الاسكندنافية عمقت تدخل الدولة وطورت فكرة نموذج الاشتراكية الديمقراطية لاقتصاد السوق الاجتماعي . رغم كل التوقعات الليبرالية, هي ذات تنافسية عالية في الأسواق المعولمة.
  بدلا من الاعتماد على العمل ذو الأجر المنخفض لتحقيق استخدام عال, كما في اقتصاد السوق الليبرالي مثل الولايات المتحدة, اعتمدت بثقل على الاستثمار في ميزتها التنافسية : الموارد البشرية.
الثانية , معيارية (قيمية ) تعتمد على الحقوق الإنسانية الخمس التي تضمنها عهود الأمم المتحدة . في فترات انتشار التقلقل وعدم الأمان, الحاجة أكبر لدولة قوية تهدئ آثار العولمة وتمتص هبوط الخاسرين. التطور البشري يحب أن يكون صاعدا. تأمين الحقوق السياسة والمدنية والتخلي عن بقية الحقوق ستكون خطوة للوراء.
ثالثا, من الصعب في مجال الاقتصاد السياسي القول أن أي شيء محتوم , كما يريدنا منتقدي العولمة وأنصارها أن نعتقد. العولمة نفسها صنع البشرية , وتتبع قواعد وضعها السياسيون, أو تقرر عدم وضعها بشكل مقصود.
  النظام الاقتصادي العالمي الحالي يعتمد بشكل كبير على الأفكار الليبرالية. هناك إمكانية حقيقية لتغيير ذلك , باختيار مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي على المستوى العالمي. الهدف هو أسواق عالمية فعالة , مندمجة في مجتمع عالمي ذو معنى عالمي للشراكة وقواعد عالمية تضمن الحقوق الخمسة. في يومنا حجة الحتمية والإشارة إلى ضغوط العولمة الساحقة هي غالبا مجرد ترحيب و تبرير نمطي لخفض الرفاه والإصلاحات غير الشعبية .
 
 
 

شارك هذا المقال: