صفحات من تاريخ الكرد في سورية حتى العهد الإسلامي

شارك هذا المقال:

تضاربت الآراء في أسباب تسمية سورية بهذا الاسم، فقد «أطلق البابليون كلمة سوري Su-Ri على مناطق شمالي الفرات»[1]، إلا أن البعض ينسبها إلى الآشوريين الذين حكموها لفترة طويلة من الزمن ، ولأنهم كانوا يطلقون على بلادهم اسم آثوريا ” آشوريا – آسيريا “، لذلك يذهب هؤلاء إلى أن«اسم سورية هو تحريف عن اسم آشور باعتبار أن سورية كانت جزءاً من الإمبراطورية الآشورية في بعض الفترات خلال الألف الثانية والألف الأولى قبل الميلاد»[2]، ويعارض الدكتور فيليب حتي هذا التفسير ويقول في كتابه تاريخ سورية ولبنان وفلسطين أن: «بعض كتاب العصر الكلاسيكي يخطئون في الكلام عن السوريين حين يجعلون اسمها مرادفاً للآشوريين، ولا توجد في الغالب صلة في الاشتقاق بين ” سورية ” وآسيريا ( آشور )، وأن اسم سورية هو يوناني في شكله»[3]. وقد استخدم المؤرخ اليوناني هيرودوت اسم سورية للدلالة على المنطقة الممتدة من جبال طوروس شمالاً إلى صحراء سيناء جنوباً بما فيها فلسطين وفينيقية .

ويقول الدكتور نعيم فرح أنه في «عهد الدولة المصرية الحديثة كان – المصريون – يسمون سورية باسم بلاد الحوريين»[4]، أما ريتشارد فراي فيقول أن مصطلح سورية مشتق من كلمة خوري المصرية القديمة الدالة على الحوريين، التي من شأنها أن تكون قد انقلبت إلى سوري باللغة القبطية»[5].

 أما الرومان فأطلقوا عليها اسم سيروس Syrus ، والـ”سوري ” بالنسبة إلى الرومان «كان يعني كل شخص يتكلم السريانية»[6]. وامتدت ولاية سورية الرومانية من نهر الفرات شرقاً إلى مصر غرباً.وتؤكد الدكتورة رجاء دويدري أن اسم سورية قد ورد في «آداب أوغاريت – بصيغة – شيرين Shyryn»[7].

وحافظت “سورية” على هذا الاسم حتى الفتح العربي الإسلامي 635م /15هـ ، ولم يعد يذكر هذا المصطلح بشكل واسع، حيث أطلق عليها العرب المسلمون في البداية اسم “بر الشام” ثم سميت فيما بعد “بلاد الشام”. واستمر استخدام اسم سورية إنما على نطاق محدود، فأطلق هذا الاسم على منطقة صغيرة عرفت باسم سورية كانت تقع «بين الخناصرة قرب قنسرين ، والسلمية»[8].و في العهد العثماني أعيد استخدام هذا الاسم ، حيث أطلق اسم سورية على ولاية دمشق أو ” شام شريف “، والتي كانت تعرف أيضاً بولاية سورية.

وأثناء الحرب العالمية الأولى عاد هذا الاسم إلى الظهور مرةً أخرى من خلال اتفاقية سايكس بيكو 1916، وبعد ذلك أثناء حكم الملك فيصل الأول ابن الشريف حسين بن علي والإعلان عن تأسيس المملكة السورية، حيث أصبح اسم سورية مرادفاً لمنطقة واسعة شملت أراضي سورية الحالية والأردن ولبنان ومن ثم فلسطين – أو ما يعرف باسم سورية الطبيعية _ ، وفي مؤتمر سان ريمو 1920 الذي قرر فيه الحلفاء فرض الانتداب الفرنسي على ” سورية “. تم استخدام هذا الاسم للدلالة على سورية الحالية.

وقد قامت الدولة السورية الحالية التي تبلغ مساحتها الآن 185180كم2، على مساحة متقلصة محدودة من سورية الطبيعية البالغة حوالي 320 ألف كم2، أما الحدود الدولية فرسمت لأول مرة خلال اتفاقية سايكس – بيكو 1916 ثم رسمت بشكل أكثر تفصيلي في مؤتمري سان ريمو وسيفر 1920، إلا أنها تغيرت وعدلت أكثر من مرة

تعد سورية الطبيعية من أقدم المناطق المأهولة في منطقة حوض البحر المتوسط، إذ توجد فيها مستوطنات ومراكز بشرية تعود إلى أكث من مليون سنة، وقد ساعد موقعها الجغرافي، ومناخها، وطبيعتها المتنوعة، من سهول وهضاب وجبال على جذب المهاجرين إليها، فسهولها ووديانها وهضابها جذبت الباحثين عن الاستقرار والعمل، بينما كانت جبالها ملاذاً للمغلوبين أو المطرودين من ديارهم.

وكما كانت سورية ملتقى للطرق التجارية كانت أيضاً ملتقى الشعوب المختلفة، وقد استوطنتها وهاجرت إليها أمماً وشعوباً عديدة، خلال حقب التاريخ المختلفة، ومن هنا فالتركيب العرقي لسكانها القدماء لم يكن واضحاً، لأن أجناساً بشرية مختلفة ساهمت في تكوين شعوبها، من ساميين، وهندو- أوروبيين، وآخرين .

ومن أعرق الشعوب السامية العربية التي استقرت في سورية الشعب الآموري – العموري[9] الذي هاجر إلى منطقة حوض الفرات الأوسط وإلى شمال وشرق سورية حوالي عام 2500 ق.م، الذين أسسوا مجموعة من الممالك أشهرها مملكة يمحاض  ” حلب ” ومملكة ماري ” تل الحريري – قرب البوكمال حالياً “، و مملكة إيبلا ” تل مرديخ – قرب إدلب حالياً ” كما أنهم أسسوا  في بلاد الرافدين مملكة قوية عرفت باسم الدولة البابلية الأولى” المملكة العمورية ”  1830 – 1531 ق.م وأشهر ملوكها المشرع حمو رابي .

أما الكنعانيين  فقد سكنوا منطقة جنوب سورية والساحل الشمالي والأوسط لشرق البحر المتوسط، في نفس الفترة الزمنية تقريباً التي هاجر فيها الآموريين أي حوالي عام 2500ق.م، وأطلق على كنعاني الساحل أسم الفينيقيين،الذين سيطروا على تجارة البحر المتوسط،  وأسسوا مجموعة من ممالك المدن منها أوغاريت ” رأس شمرا ” صور، صيدا  بيبلوس ” جبيل ” أما كنعاني الجنوب – (( وكلمة كنعان Keengg– كيناخو – كلمة هورية تعني الصباغ الأرجواني ))[10] – فعملوا في الزراعة وحافظوا على اسمهم، ومن أشهر مدنهم يبوس ” القدس “، حبرون ” الخليل”، بيت شان “بيسان “، أريحو ” أريحا “، ومن ثم سيطرت الإمبراطورية الآشورية على المنطقة.

 ومن بين الشعوب التي سكنت سورية منذ العصور التاريخية القديمة واستمروا على هذه الأرض حتى الآن الشعب الكردي، فقد سكن الهوريين(( الحوريين – الخوريين )) والميتانيين سورية منذ الألف الثانية قبل الميلاد وهم من شعوب جبال زاغروس القديمة (( الأجداد القدماء للشعب الكردي )). وقد أسس الحوريون في سورية مملكة قوية سيطرت عليها وعلى معظم المنطقة ردحاً من الزمن .

والحوريون من الشعوب الهندو- أوربية ظهروا في الألف الثالثة قبل الميلاد في منطقة ” سوبارو، سوبارتو “الممتدة بين جبال زاغروس ومنابع الفرات، أي في شمال بلاد مابين النهرين وشمال سوريا. وقد سكنوا أول الأمر في جبال زاغروس ثم زحفوا تدريجياً نحو الغرب حتى وصلوا إلى منابع نهر الفرات والخابور.

ومعنى كلمة (( هوردي- خُرَدي Huradi الجندي اليقظ ))[11] وهذا المصطلح قريب من حيث الاسم والمعنى من كلمة الكرد، فإذا كانت كلمة خُرَدي تعني الجندي اليقظ، فأن كلمة ((كرد أو كردي في اللغة الآشورية تأتي بمعنى القوي وفي الفارسية القديمة ” البهلوية ” البطل أو المصارع . ))[12]، وهي بذلك قريبة من المعنى السابق أو هي صفة من صفات الجندي اليقظ. كما يمكن تحويل كلمة هوردي- خُرَدي  إلى كلمةكردي بعد نحت أو تحويل الحرف ” خُ ” إلى ” ك ” وهذا الأمر حدث ويحدث في جميع اللغات العالمية .

وقد ظهر الحوريون على مسرح التاريخ في أواخر عهد الدولة الأكادية 2360 –2180 ق.م، إذ نجد بين الوثائق واللقى التاريخية المتفرقة من تلك الحقبة إشارات تدل على ظهور بعض الممالك الحورية الصغيرة، إذ وجدت سلالات حاكمة في المنطقة ذات أسماء حورية، كانت ترى نفسها في مستوى ملوك أكاد  (( مثل الملك : أَتَل- شِن، أو آري – شِن، الذي يسمي نفسه في أحد النقوش باسم ” ملك أوركيش* ونوار* “))[13].

وفي منتصف الألف الثانية قبل الميلاد شكل الحوريون مملكة قوية امتدت من جبال زاغروس شرقاُ حتى الفرات الأوسط غرباً، وقد اتخذوا من مدينة أوركيش عاصمةً لهم، ونتيجةً لسيطرتهم على الطرق التجارية بين وادي النيل وبلاد الرافدين والأناضول ازدهرت المملكة الحورية بسرعة وازدادت رقعة مساحتها، فسيطرت على معظم سورية بما فيها ممالك الساحل الفينيقية كمملكة أوغاريت (( مما جعل المصريين في عهد الدولة الحديثة 1575 – 1087 ق.م يسمون سورية باسم بلاد الحوريين.))[14]. ويشكل (( تاريخهم – اي الحوريين – صفحات أساسية من تاريخ سوريا القديم خلال الألف الثاني قبل الميلاد،  فقد ارتحلوا إليها كغيرهم في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، واتخذوها موطناً، وأسهموا في تاريخها السياسي والحضاري، وتمكنوا في مطلع القرن الخامس عشر قبل الميلاد بالتحالف مع الميتانيين من تشكيل مملكة قوية، تمركزت في مناطق الجزيرة السورية العليا، وامتدت غرباً في الشمال الـسوري، وشرقاً في الشمال العراقي . ))[15].

وبدءاً من القرن الخامس عشرقبل الميلاد (( أخذ بعض ملوك الهوريين يلقبون أنفسهم بالميتانيين، وخاصةً أولئك الذين تمركزوا في وادي نهري الخابور والبليخ. ))[16]،  وأطلق على هذه المملكة الحورية اسم المملكةالميتانية.

وقد امتدت المملكة الميتانية على نفس المساحة التي قامت عليها الدولة الحورية بالإضافة إلى فلسطين (( التي بلغ من قوتها أن أمتد حكمها من البحر المتوسط إلى مرتفعات ميديا . )) [17]، والتي ترد أحياناً في الوثائق الأكادية والآشورية باسم ” خاني جَلْبَت، أو خالي جلبت “، ويدل كلا الاسمين ” ميتاني وخاني جلبت ” على البلاد الواقعة بين منعطف نهر الفرات والمجرى العلوي لنهر دجلة، وهي  (( تسمية ميتانية أطلقت على معظم مناطق الجزيرة العليا ))[18]، ومركزها منطقة مثلث ينابيع الخابور، ويرجح أن مملكة ميتاني كانت تشمل أيضاً (( مناطق طور عابدين والسهل المحيط بديار بكر . ))[19].

واتخذت الدولة الميتانية من  مدينة واشو كاني* – أشو كاني، سيكاني- عاصمةً لهم وكانت (( حكومتهم إحدى الحكومات الأربع الكبيرة في ذلك الوقت وهي: الدولة المصرية الحديثة، والدولة الحثية، ودولة كاردونياش، والدولة الميتانية ))[20]، وقد أدى توسعها وسيطرتها على فلسطين والطرق التجارية على الساحل السوري إلى اصطدامها مع الدولةالمصرية، وقام الفرعونتحوتمس الثالث 1483– 1450 ق.م، بتجريد حملة كبيرة ضد الميتانيين والملوك والأمراء السوريين المتحالفين معهموأنتصر عليهم في معركة مجدو* عام 1458 ق.م،ووصل على إثرها إلى نهر الفرات.

 وبعد انسحاب الملك المصري من سورية، تحرك الآشوريون على الحدود الجنوبية الشرقية للدولة الميتانية لاستعادة ممتلكاتهم الذين فقدوها، إلا أن الملك الميتانيسوشتتر تصدى لهم وقام ثانيةً (( بإخضاع الآشوريين، ومن ثم التوسع شمالاً حتى وصل إلى بحيرة وان )) [21].

وعقد هذا الملك فيما بعد تحالفاً مع الملك المصري أمنحوتب الثاني 1450 – 1425 ق.م، للوقوف في وجه المد الآشوري – الحثي. وفي عهد الملك أرتتما الأول خليفة سوشتتر تحسنت العلاقات بين مملكة ميتاني ومصر أكثر وتم عقد معاهدة سلام بينهما، إثر ازدياد الخطر الحثي من الشمال ضد هاتين الدولتين، وتوطدت العلاقات أكثر بعقد مصاهرة بين الأسرتين المالكتين بزواج الفرعون المصري امنحوتب الثاني 1428–1400ق.م من ابنة الملك الميتانيأرتتما الأول (( وهذه إشارة إلى أن الدولة الميتانية غدت على قدم المساواة مع الدولة المصرية .))[22]، وازدادت العلاقات تحسناً بين الطرفين بزواج الملك المصري امنحوتبالثالث1408 –1370 ق.م من ” تَتو خِبا ” ابنة الملك الميتاني تشرتا بن أرتتما، والذي توفي عنها بعد سنوات قليلة من اقترانه بها، فتزوجها من بعده الملك امنحوتب الرابع ” إخناتون ” 1370 – 1352 ق.م وعرفت في عهده باسم نفرتيتي، وكان لها تأثير كبير على ثورته الدينية، وعلى عبادة الشمس في مصر .

وبعيد وفاة الملك تشرتا انقسمت مملكته بين ولده ” ماتي وازا ” وأخوه أرتتما الثاني، وقد أدى انقسام المملكة الميتانية إلى تنافس كل ٍ من الحثيين والآشوريين والمصريين على سورية، وأدى هذا التنافس والحروب والغزوات المستمرة بين الأطراف الثلاثة والتي كان مسرحها وميدان معاركها سورية والمملكة الميتانية إلى ضعف هذه المملكة، فسيطر الملك الحثي القوي ” شوبيلوليوما1380 – 1355 ق.م “، على شمالي سورية حتى غرب نهر الفرات (( أما القسم الباقي من المملكة فقد أصبح تابعاً فيما بعد للملك الآشوري ” أدد نيراري1304 – 1273 ق.م “، ثم أصبح قسماً من الإمبراطورية الآشورية المتوسطة في عهد وريثه ” شلمناسر الأول 1273 –1244ق.م ” وهكذا زالت دولة كانت في احد العصور تشارك مصر والدولة الحثية السلطة العالمية. ))[23].

وفي ظل الإمبراطورية الآشورية حافظت بعض المناطق والمدن في مختلف أرجاء الإمبراطورية المترامية الأطراف ومن بينها المدن الميتانيةعلى استقلالها الذاتي، مثل  مملكة ” تئيد*، وكان لهذه المدن ((  حظ موفور من الحكم الذاتي المحلي، كما احتفظت كل أمة فيها بدينها وقوانينها وحاكمها، ما دامت لا تتوانى عن أداء الجزية المفروضة عليها للدولة الآشورية.))[24]، إذ وجدت بعض الدويلات التي كان ملوكها يحملون أسماء حورية مؤكدة في عهد الملك  تجلاتبلاسر1114- 1076 ق.م مثل (( كيلي تشوب بن كلي تشوب، وشدي تشوب ابن خنتخ ))[25].

وفي هذه المرحلة وصلت إلى المنطقة هجرة سامية جديدة هي الهجرة الآرامية التي اجتاحت قسماً كبيراً من بلاد الرافدين وسورية الشمالية والوسطى،خلال القرنين الرابع عشر والثالث عشر، وأسسوا مجموعة من ممالك المدن أهمها مملكة دمشق أهم وأشهر الممالك الآرامية، ومملكة حامات ” حماة “، ومملكة فدان آرام في حران، ومملكة آرام النهرين في تل حلف، ومملكة شمأل على سفوح جبال الأمانوس. وقد تأثر الآراميين بالحضارة ((المادية للشعب الذي سكنوا بين ظهرانيه، أي الحضارة الهوريةوالميتانية . ))[26]. وقد انهارت هذه الممالك أيضاً على يد الإمبراطورية الآشورية عام 732 ق.م.

وخلال هذه الفترة أيضاً ظهرت الدولة الميدية في شمال غرب الهضبة الإيرانية، التي تأسست في النصف الثاني من القرن الثامن قبل الميلاد على يد الملك ديوكيس  ” دايكو “، التي بعد أن وحدت الهضبة الإيرانية، أخذت تتوسع نحو الغرب وقد اى ذلك إلى الاصطدام بالإمبراطورية الآشورية ومنافستها على مناطق نفوذها، خاصةً بعد أن اضطربت أحوالها  بعيد وفاة الملك الآشوري آشوربانيبال633ق.م .

وقد خلف ” ديوكيس”  ابنه ” فراوريتس ” الذي سار على نهج أبيه في محاربة الآشوريين وبعد أن قُتل في إحدى المعارك معهم، خلفه الملك ” كي أخسار633-584 ق.م “. الذي أعاد تنظيم جيشه ودولته من جديد وتحالف مع الملك الكلداني ” نابوبولاصر ” خصم الآشوريين، وقد بدأ كي أخسار بمهاجمة الآشوريين بدءاً من عام 615 ق.م، وتمكن في عام 614 ق .م من احتلال مدينة آشور العاصمة الدينية للدولة الآشورية وتدميرها، وفي عام 612ق.م تم تشديد الحصار على العاصمة الآشورية نينوى التي لم تصمد طويلاً هذه المرة أمام جيوش التحالف الميدي – الكلداني وسقطت بيدهم في شهر أب من عام 612 ق.م. وبعد القضاء على الدولة الآشورية نهائياً سنة 610 ق.م. تم اقتسام ممتلكاتها، وكانت حصة الأسد من نصيب الدولة الميدية التي بسطت نفوذها على منطقة واسعة امتدت من باختريا في شرق إيران* حتى نهر كاليس غربا ” ويسمى حاليا نهر قيزيلإيرمق ويقع على بعد 50 كم شرق العاصمة التركية أنقرة ” وكان (( خط الحدود بين ميديا وبابل ” عاصمة الدولة الكلدانية ” يمتد على طول نهر دجلة من الجنوب حتى مدينة ” آمد ” ديار بكر، كما أن خطاً أخر كان يفصل بينهما ممتد من أمد حتى نهر الفرات.))[27]، أما المنطقة الممتدة من (( غرب الفرات وحتى فلسطين فقد وقعت تحت سيطرة المصريين )) [28]. وهكذا تم تقسيم سورية إلى ثلاث مناطق، الشمالية تحت السيطرة الميدية، والشرقية تحت السيطرة الكلدانية والجنوبية تحت السيطرة المصرية.

إلا أن هذا الأمر لم يدم طويلاً، فمع ظهور الدولة الفارسية القديمة – الإمبراطورية الإخمينية على يد الملك ” كورش 559-530ق.م ” . تم القضاء على الدولتين الميدية والكلدانية، وامتدت الإمبراطورية الفارسية من الهند شرقا وحتى بحر إيجة ومصر غربا.

فدخلت المنطقة الممتدة من غرب الهند إلى اليونان في سلسلة من الحروب الطويلة، كانت ساحتها الرئيسة الأراضي السورية والشمالية منها خاصةً (( التي شكلت الولاية الخامسة من الولايات الفارسية العشرين .))[29].

وقد اندلعت بين الفرس – الأخمينيين والإغريق حروب طويلة سميت بالحروب الميدية، والتي انتهت بقضاء الاسكندر المقدوني على الدولة الفارسية ” الأولى – الأخمينية ” عام 334 ق.م  بعد معركة ايسوس” قرب ممر بيلان، وقد ازداد خلال هذه الفترة بشكل ملحوظ دور الشعب الكردي الذي (( كان يسكن في المنطقة الواقعة بين الضفة اليسرى لنهر دجلة وأطراف جبل جودي، الذي لم يطع قط الفرس ولم يخضع لهم . ))[30] . وعرف هذا الشعب باسم الـ” كردوخوي- Karduehoi  أو كوردوئينCorduene، وقد ذكرهم المؤرخ الإغريقي زينفون في كتابه  آنا بازيس.

وإثر وفاة الاسكندر المقدوني عام 323 ق.م تحولت إمبراطوريته المترامية الأطراف إلى ساحة حرب بين قواده، وأصبحت سورية من نصيب قائده سلوقس الأول – نيكاتور – بدءاً من عام 312 ق.م الذي أسس الدولة السلوقية والتي تعرف أيضاً (( بالمملكة السورية ))[31] وعاصمتها إنطاكية.

 وقد سمحت هذه المملكة للعناصر الوطنية والمحلية بممارسة شؤون حياتها الاعتيادية، ولغتها،وعاداتها، وطقوسها الدينية، حتى قضى عليها القائد الروماني بومبيوس عام 64 ق.م، وضم سورية إلى الدولة الرومانية، وأطلق عليها اسم (( ولاية سورية Provincia Syria))[32]، وقد قسم الرومان ولاية سورية إلى ثلاث مناطق إدارية هي (( السيراستيكCyrrhestique نسبةً إلى مدينة سيرهوسCyrrhis ” النبي هوري – شمال اعزاز “، وافراتيزياEuphratesia نسبةً إلى الفرات، وخالستيكKalistikنسبةً إلى نهر الخاليس ” القويق “، وكان الفيلق الروماني العاشر المسمى ” فريتنسيس ” يرابط في مدينة سيرهوسCyrrhis ))[33]، وامتدت الولاية السورية من الفرات حتى مصر. إلا أن هذه الحدود لم تكن ثابتة ودائمة، وكانت تتبدل أثناء الحروب التي تجددت مرة أخرى بين الفرس ” الدولة البارثية – الأشكانية246 ق.م – 224م ” والرومان، ففي عام 161م (( خضعت البلاد الغربية من الدولة البارثية أي أرمينية وكردستان للسلطة الرومانية ))[34]، وأخذ اسم الـ” كوردوئين يتكرر باستمرار خلال الصراع بين الفرس الساسانيين والرومان، ففي عام 224م قام الملك أردشير مؤسس الدولة الساسانية باسترجاع (( نصيبين وحران وجميع بلاد أرمينية وكوردوئين من الرومان .))[35]، وفي عام 270م تنازل الملك الفارسي نرسي عن خمس ولايات من أملاكه (( لحكومة روما هي أرزان، موك، زبدا، رحيمة، كاردو ))[36]، وفي عام 297م وصلت الحدود الرومانية إلى نهر دجلة، إلا أنها لم تصمد طويلاً أمام التقدم الساساني الذي وصل أكثر من مرة إلى نصيبين ودارا وتدمر وكيليكيا.

وبعد تقسيم الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين – البيزنطية في الشرق، والرومانية في الغرب، أصبحت سورية تابعة للدولة البيزنطية التي سارت على سياسة الإمبراطورية الرومانية الموحدة في محاربة الدولة الساسانية، وقد ازداد نفوذها في سورية أكثر بعد قيام إمارة الغساسنة في جنوب غرب سورية، والتي تحالفت مع البيزنطيين ضد المناذرة في جنوب العراق حلفاء الفرس. وكانت المعارك بين الجانبين سجالاً حتى ظهور الدولة العربية الإسلامية التي تمكنت من الانتصار على البيزنطيين في معركة اليرموك 635م والسيطرة على كامل المنطقة السورية، ومن ثم القضاء على الدولة الفارسية بعد معركة القادسية 635 م بقيادة سعد بن أبي وقاص .

لتبدأ مرحلة جديدة ومعها فصل جديد من تاريخ الكرد .

المراجع:

1-   حتي ، د . فيليب : (( تاريخ سورية ولبنان وفلسطين )) ، ترجمة:  الدكتور جورج حداد ، عبد الكريم رافق ، دار الثقافة ، بيروت، ط3 – 1954.

2-   فرح ، د. نعيم (( تاريخ حضارات العالم القديم وما قبل التاريخ ))، منشورات جامعة دمشق – 1975.

3-   فراي، ريشارد (( أصل الاسم – سورية )) ، دار قدمس للنشر والتوزيع، دمشق . ط1- 200.

4-   دويدري، د. رجاء وحيد (( جغرافية سورية والوطن العربي ))، جامعة دمشق، مطبعة طربين، دمشق، 1981-1982.

5-   الحموي، ياقوت (( معجم البلدان ))، دار احياء التراث العربي، بيروت ، 1979.

6-   هالدار ، د. ألفرد (( العموريون ))،ترجمةوتحقيق:د. شوقيشعث. الأبجديةللنشر،عمان، ط1- 199 .

7-   زكي، محمدأمين(( خلاصةتاريخالكردوكردستان ))ترجمةوتعليق:محمدعليعوني،كردبرس،بيروت،ط4 – 1996.

8-   فيلهلم،جرنوت (( الحوريونتاريخهموحضارتهم )) ،ترجمةوتعليقد:فاروقإسماعيل،دارجدل،حلبط1-  2000 .

9-   إسماعيل، د. فاروق(( اللغةالآراميةالقديمة))،منشوراتجامعةحلب- 1997.

10- أحمد ،د.جمالرشيد،رشيد،د.فوزي (( تأريخالكردالقديم ))،دارالحكمةللطباعةوالنشر،أربيل– 1990.

11- الصفدي، د. هشام(( تاريخالشرقالأدنىالقديم ))، جامعة دمشق، بلا.

12- الصواف ، صبحي ((تاريخحلب-حلبقبلالإسلام))،دارالحضارة،حلب ط1- 1972.


[1] – حتي (د. فيليب) – تاريخ سورية ولبنان وفلسطين. ……………………………ص62.

[2] – فرح (د.نعيم) – تاريخ حضارات العالم القديم . ……………………………ص180.

[3] – حتي …تاريخ سورية ولبنان . …………………………………………….ص63 .

[4]–  فرح … تاريخ. ……………………………………………………..ص 110.

[5] – فراي ( ريتشارد) أصل الأسم ( سورية ) ……………………………………ص9.

[6] – المصدر السابق ………………………………………………………..ص62.

[7] – دويدري (د. رجاء) – جغرافية سورية والوطن العربي ………………………ص392.

وحتي ، تاريخ سورية………………………………………………………. ص 62

[8] – الحموي (ياقوت) _ معجم البلدان . ج3 …………………………………ص 280.

[9]-عمورو، عموروم، كلمة أكادية تعني الغرب، وهي تقابل الكلمة السومرية أم مارتو التي تعني أيضاً الغرب، وكلا الكلمتين الأكادية والسومرية تستعملان غالباً للغشارة إلى أسماء جغرافية.  العموريون، د. ألفرد مالدار / ترجمة  د. شوقي شعث . ص 11.

[10] – حتي(فيليب) تاريخ سورية ولبنان وفلسطين. ص…15.، للمزيد حول مصطلح كنعان أنظر أصل الاسم ( سورية ) تأليف ريتشارد فراي، دار قدمس للنشر والتوزيع، دمشق .

[11] – المصدر السابق ص…………………………………………………………………ص17.

[12] –  زكي (محمد أمين) خلاصة تاريخ الكرد وكردستان ج1 ……………………….. ص 41- .44

* أوركيش –  : Urkish يسمى حالياً تل موزان، الذي يقع شرق بلدة عامودا بحوالي 5 كم قرب الحدود السورية – التركية، ويبلغ طوله حوالي (700م)، وعرضه (500م)، وهو يرتفع عن السهول المحيطة به (28م)، بدأت البعثة الأثرية الأميركية برئاسة البروفسور جورجيوبوتشلاتي Giorgio Buccellatiمن جامعة لوس انجلوس أعمال التنقيب في تل موزان 1984 وقد استطاعت الكشف عن أجزاء من القصر الملكي والمعبد الرئيسي للمدينة. كما عثرت البعثة إضافة إلى المنشآت المعمارية على مجموعة من اللقى الأثرية المتنوعة أهمها (طبعات الأختام حوالي 1000 ختم ) التي احتوت على نقوش ورسوم وكتابات ذات موضوعات متنوعة من بينها نصوص مدرسية بغرض تعليم الكتابة تدل على مدى التطور الذي وصلت إليه المدينة. كانت مركزاً لعبادة الإله الهوريكُوماربيKumarbi.

*  نوار: ناغارNagar، يسمى حالياً تل براك الذي يقع على  بعد 40 كم شمال غرب مدينة القامشلي على الضفة اليمنى من نهر الجغجغ عند الحد الشمالي من سهل بلاد ما بين النهرين على أطراف المنطقة الزراعية الممطرة, ويعد من أكبر المواقع الأثرية في شمال سورية، حيث يبلغ طوله حوالي 1000م, أما عرضه فيبلغ 850م, ويرتفع عن السهول المحيطة به 45 م, وتحيط به مجموعة من التلال الأثرية .

بدأ الباحث الإنكليزي ماكس مالوانMax Mallowan أعمال التنقيب الأولى في الموقع عام 1937 وكشف عن العديد من السويات الأثرية الهامة، واستمرت أعماله حتى عام 1938م. وبعد ذلك تابعت البعثة الإنكليزية بإدارة دايفيدأوتس وجَوان أوتسDavid and Joan Oates من معهد الآثار في جامعة لندن ومعهد ماكدونالد للأبحاث الأثرية (جامعة كامبردج) أعمال التنقيب في الموقع عام 1976. ومنذ عام 2006م تمت إدارة الأعمال الحقلية التنقيبية للبعثة من قبل أوغوستاماكماهونAugusta McMahon من جامعة كامبريدج وذلك تحت الإدارة العامة لجوَن أوتس.

 تؤكد التنقيبات الأثرية التي جرت في الموقع على وجود استيطان بشري يعود إلى الألف السادس والخامس قبل الميلاد.وتشير المكتشفات العائدة للفترة الميتانية بأن نوار- ناغار خلال هذه الفترة هي المدينة الثانية ممن حيث الأهمية.

[13]– فيلهم (جرنوت). ت/ د. فاروق إسماعيل.. الحوريون …………………………….. ص33.

[14] – فرح ( د. نعيم) تاريخ………………………………………………………………… ص 210.

[15]–  فيلهم (جرنوت) الحوريون…………………………………………………………. ص9.

  – [16]فيلهم (جرنوت) الحوريون …………………………………………………………ص9.

[17]– حتي ( تاريخ سوريا ولبنان ..)…………………………………………………….ص163 .

[18] –  إسماعيل ( د. فاروق) . اللغة الآرامية القديمة…………………………………… ص10.

[19] – فيلهم… الحوريون…………………………………………………………………. ص 58.

* – تسمى الآن تل الفخيرية تقع بالقرب من مدينة رأس العين السورية .

 – [20] زكي….. خلاصة تاريخ ج1 …………………………………………………….. ص97.

* – تقع شمال شرقي مدينة طولكرم في فلسطين حالياً .

[21] – فرح (د. نعيم) تاريخ ……………………………………………………………ص 211.

[22] – أحمد( د. جمال رشيد)، ود.(رشيد) فوزي .تأريخ الكرد القديم………………  ص 73.

[23] – حتي…. تاريخ سورية ……………………………………………………………..  ص 163.

[24] – الصفدي ( د. هشام) تاريخ الشرق الأدنى القديم…………………………………… ص.203

[25] – – فيلهم….. الحوريون……………………………………………………………… ص 83.

[26] – حتي….. تاريخ سورية ……. ………………………………………………………ص 185.

* – تقع الآن في أفغانستان .

[27] – زكي… خلاصة ج2………………………………………………………………. ص 24.

[28] – إ .م . دياكونوف………………………………………………………………… ص 206.

[29] – حتي (فيليب). لبنان في التاريخ ………………………………………………. ص185.

[30] – زكي… خلاصة ج1 ……………………………………………………………..ص108.

[31] – حتي… تاريخ سورية  …………………………………………………………..ص 260.

[32] – المصدر السابق …………………………………………………………………ص309.

[33] – الصواف (صبحي) تاريخ حلب ……………………………………………….. ص51 .

[34] – زكي… خلاصة ج1 ……………………………………………………………..ص 112.

[35] – زكي…. خلاصة ج1 …………………………………………………………….ص 113

[36] – المصدر السابق…………………………………………………………………..ص 114.

شارك هذا المقال: