حصن الأكراد بين الماضي و الحاضر

شارك هذا المقال:

ورد ذكر هذا الحصن في الكثير من الكتب التاريخية تحت اسم (حصن الأكراد)، إلّا أنّ بعض المراجع الحديثة بدأت بتداول اسمٍ بديل له وهو (قلعة الحصن)، وهو الاسم المغلوط حتى في تركيبته.

–         وصف الحصن:

حصن الأكراد هو حصن منيع حصين على الجبل الذي يُقابل حمص من جهة الغرب وهو جبل الجليل المتصل بجبل لُبنَان وهو بين بعلَبَك وحمص[[i]]، يقع هذا الحصن على بعد 65 كم غربي حمص و 75 كم جنوب شرق طرطوس، يرتفع 650 متراً عن سطح البحر، يتحكم في الممر الاستراتيجي المسمّى فجوة حمص بوادي العاصي، إِذْ كان من يُسيطر على هذه الفجوة يتمكّن من التحكم بسورية كلها لأنه يعزل داخل البلاد عن واجهتها البحرية [[ii]].

–         تسمية الحصن:

تتفق جميع المصادر والمراجع التاريخيّة حول سبب تسمية هذا الحصن باسم (حصن الأكراد)، فيذكر ابن شداد: “وأما حصن الأكراد فحكى منتجب الدين يحيى بن أبي طيء النجار الحلبي في تاريخه، في سبب نسبته إلى الأكراد: أن شبل الدولة نصر بن مرداس صاحب حمص أسكن فيه قوماً من الأكراد في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة فَنُسب إليهم”[[iii]]، وكذلك الأمر في المصادر الرسمية في سورية والتي تُرجع سبب تسمية هذا الحصن إلى تشييد القلعة الحالية على أنقاض حصن كُردي قديم [[iv]]، وهو بخلاف ما يعتقد البعض في أن سبب التسمية يعود لفترة حروب السلطان صلاح الدّين الأيّوبي، فبحسب ما ذكر ابن شداد تعود التسمية للعام (422 للهجرة) أي حوالي العام (1031 ميلادي) وهي الفترة التي تسبق بكثير فترة حصار السلطان الأيّوبي للقلعة والذي كان في العام (1188 ميلادي)،الأمر الذي يدل على قِدَمْ الوجود الكُردي في تلك المنطقة لما قبل الفترة التي تُعرف بفترة الحروب الصليبيّة.

وبالعودة إلى المصادر والمراجع التاريخيّة التي ذكرت هذا الحصن باسم (حصن الأكراد) يمكن أن نذكر بعضها كما يلي:

  • السلوك لمعرفة دول الملوك – المقريزي
  • الكامل في التاريخ – ابن الأثير المؤرخ
  • المنتظم – ابن الجوزي
  • رحلة ابن بطوطة – ابن بطوطة
  • رحلة ابن جبير – ابن جبير
  • معجم البلدان – ياقوت الحموي
  • وفيات الأعيان – ابن خلكان
  • البداية والنهاية – ابن كثير
  • تاريخ ابن خلدون – ابن خلدون
  • الوافي بالوفيات – الصفدي
  • أعيان العصر وأعوان النصر – الصفدي
  • الأعلام – الزركلي
  • الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة – ابن شداد

–         الوجود الكُردي حاليّا ً:

لا يزال الوجود الكُردي في المنطقة الجغرافية المحيطة بحصن الأكراد ملحوظاً، فمن خلال إحدى الزيارات إلى تلك المنطقة أمكننا التعرف أكثر وعن قرب على واقع الوجود الكُردي هناك، فعلى نفس الجبل الذي يتوضّع عليه الحصن تمتد قرية الحصن والتي تُصنّف إدارياً على أنها بَلدة، وتضم خليطاً منوّعاً من الأديان والأعراق، ومنها الوجود الكُردي، وأبرز العائلات الكُردية المتواجدة فيها هي عائلة (الكُردي)، وعلى مسافة أبعد قليلاً من الحصن و في محيط سهل البقيعة تقع قرية (وادي المولى) ومن أبرز العائلات الكُردية فيها يمكن أن نذكر عائلتي (حوري- سيدو)، وبعيداً أكثر من محيط الحصن نفسه وبالتحديد نحو الشمال الغربي وفي مدينة (تلكلخ) فإن الوجود الكُردي فيها يُعتبر بارزاً ممثّلاً بأبرز العائلات الكُردية ومنها (حمكو- عثمان- رجب- الكُردي- وَلو) وأغلب هذه العائلات تقطن في (حارة الأكراد) بنفس المدينة، وإذا ما اتجهنا نحو الحدود السورية-اللبنانية وفي محيط نقطة الدبوسية الحدودية فإن الوجود الكُردي هناك يُختصر في قريتي (العامرية- تل الشحم) بوجود خجول نوعاً ما للمكون الكُردي.

من المهم هنا أن نذكر أن أغلب العائلات الكُردية المتواجدة حالياً تُعرّف عن نفسها بأنها من الأجيال المتتالية لسلالةالحامية الكُردية التي مكثت في الحصن منذ القِدَمْ وهم في أغلبهم فخورون بأصلهم الكُردي ويشدّدون عليه ويعيشون في وفاق تام مع محيطهم الاجتماعي لدرجة تصل حد الانصهار، إلّا أنهم يتأسفون على واقع عدم تكلّمهم بلغتهم الأصلية والتي ابتعدوا عنها نتيجة للظروف الحياتية والتقصير من جانب الآباء، وهي الحقيقة التي يمكن ملاحظتها بشكل سريع حيث لم نصدف من يتكلم اللغة الكُردية فيما عدا سيدة عجوز طاعنة في السن في قرية (وادي المولى) والتي ألقت بدورها بعض اللوم على جيلهم الذي أهمل تعليم الأولاد اللغة الأم.

مؤخرّاً ونتيجة لصيرورة الحياة الطبيعية والتي تفرض في الكثير من الأحيان السعي وراء العيش وحياة أفضل، هاجرت بعض العائلات الكُردية من المناطق الشمالية والشمالية الشرقية في سورية لتستقر في تلك البقعة الجغرافية وإن كان ذلك بشكل محدود نسبيا ً.

 


[i]ياقوت الحموي، معجم البلدان،الجزء الثالث، ص 588.

[ii]سورية، وزارة السياحة، مؤسسة الصالحاني، دمشق 2006، ص 173.

[iii]ابن شداد، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة، نسخة القرية الالكترونية – أبو ظبي، ص 81.

[iv]سورية، مصدر سابق، ص 177.

شارك هذا المقال: