تسلم حزب البعث الاشتراكي لمقاليد الحكم في سوريا 8 آذار 1963 ورؤية البعثي محمد طلب هلال للتخلص من الكورد

شارك هذا المقال:

استلم حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي تأسس في سوريا في 7نيسان1947، مقاليد الحكم في سوريا عبر انقلاب قام به اعضاؤه في 8آذار1963، ويمكن عد فترة استلام الحزب لزمام السلطة والى يومنا هذا، بانها قاموس سياسة التمييز القومي وحملات التعريب وحاميتها ومبدعة ممارساتها الهوجاء التي شهدت وتيرة تصاعدية اقوى عن كل ما سبقها من المراحل، واذا سجلت للعهود السابقة عدم خلوها من الممارسات العنصرية تجاه الكورد واكثرها خطورة اصدار مرسوم الاحصاء الجائر- كما سبقت الاشارة – فان الفترة التي تلتها تحت حكم البعثيين كانت حبلى بعقلية اكثر اصراراً على محو الكورد ارضاً وشعباً من الخارطة السورية ولم يعدم رجالات البعث الوسائل الكفيلة لتنفيذ تلك المآرب المريبة، وقبل الخوض في ممارسات سياسة التمييز القومي والشره التعريبي، التي شملت كل ما يخطر في البال يجب الوقوف عند الفكر الذي استسقى منه هؤلاء البعثيون مفاهيمهم للحياة وسعيهم للقضاء على القومية الكوردية جملة وتفصيلاً.

تعود البدايات الاولى لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي الى الافكار العروبية العنصرية التي نادى بها مجموعة من منظري الفكر القومي العربي امثال، ساطع الحصري (1880-1968)، وزكي الارسوزي الذي يعد الى جانب صلاح الدين بيطار وميشيل عفلق مؤسسي الحزب وآبائه الروحيين، هؤلاء المتأثرين بكتابات وخطابات الفكر النازي في المانيا، من ذلك التأثر المفرط ان الارسوزي كان يعلن ان “العرب هم المجموعة البشرية الوحيدة الباقية امينة على القيم الروحية التي اورثنا اياها ابو البشر آدم”(1).

وفي ذاك السياق الاستعلائي المقيت، جاء دستور الحزب خالياً من آية اشارة الى الحقوق القومية للشعب الكوردي في سوريا، ولم يفكر واضعوه اصلاً الى وجود الكورد الذين يعيشون الى جانب العرب، حيث اكدت المادة رقم (1) من دستور البعث على انه “يجلى عن الوطن العربي كل من دعا الى تكتل عنصري ضد العرب، وكل من هاجر الى الوطن العربي لغاية استعمارية”، يبدو واضحا ان الهدف منها تخويف الفرد الكوردي وجعله يعيش في قلق مستمر ودائم خشية ان يتهم بمساندته لاي تيار يهدف الى انشاء وطن قومي للكورد، لانه مهدد بالابعاد القسري والترحيل والتهجير اذا بدر منه ما يشم انه يتعارض مع اهداف حزب البعث.

تمثلت النظرة البعثية الآحادية الموغلة في العنصرية، برفض كل ما يغاير العرب وازدراء العناصر الآخرى و وضع القومية الكوردية في مرمى سهامها القاتلة، التي كانت كفيلة لان تهيء لمناخ متوتر، وتأمل بشوق الى ظهور ضباط بعثيين امنيين مارسوا العمل العسكري الامني المفرط في استعمال القوة ازاء الاهالي الكورد في مناطقهم التاريخية الى جانب تفوقهم الواضح في اعداد التقارير والدراسات ورفعها الى قيادتهم العليا في دمشق، تهدف الى القضاء على الكورد قومية وشعباً وجعل طموحاتهم بالعيش بسلام في وطنهم في خبر كان، وضرب آمالهم  المعقودة على العهد الجديد عرض الحائط.

عند الحديث عن مدرسة البعث في تخريج الضباط (العقائديين) الذين اوكل اليهم مهمة ضرب النشاط القومي الكوردي في سوريا بما لديهم من الوسائل، يتبادر الى الذهن الدور الكبير والمريب الذي قام بها الضابط الامني والمحافظ وعضو البرلمان والوزير ونائب رئيس الوزراء والسفير السوري فيما بعد، محمد طلب هلال، الذي يشكل نموذجاً ملفتا للتلميذ النجيب في مدرسة البعث، بعد قيامه باعداد دراسة اقل ما يمكن ان يقال بخصوصها انها كانت اعداد محكم لخطة نصت بصراحة على وأد القومية الكوردية في سوريا عبر هدر دماء ابناء الشعب الكوردي ببرودة والاصرار على غزو مناطقهم وابادتهم على بكرة ابيهم والتفاخر بذاك المنهج المتوحش في اعدادته وتطبيقاته.

تصلح الدراسة التي الفها الملازم الاول محمد طلب هلال رئيس الشعبة السياسية في محافظة الحسكه، تحت عنوان (دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي السياسية – الاجتماعية القومية) لان تكون عينة من الفكر الاقصائي الاجرامي الذي تميز به البعث، لان الدراسة الخطرة والبعيدة عن كل المعابير الانسانية، اصبحت نموذجاً في كيفية ترجمة النزعات والنوايا العدوانية من حيز المفاهيم المجردة الى سياسات وممارسات فعلية وعملية غاية في الاتقان، واستيلاد الرؤى العنصرية المقيتة واطلاق العنان للافكار الظلامية، بغية شل طاقات الكورد دون الاخذ بالاعتبار ان من حقهم ان يكون لهم حرية التمتع بخيرات وطنهم والبحث عن هويتهم الخاصة، مما شكل ضرباً قاسياً للمعابير الحقوقية للدولة والمجتمع المدني المنشود.

واذا كان رجل الامن الضليع في تجيير الفكر السياسي العنصري القوموي، المتكأ عل جملة من المرتكزات هادفة الى اعاقة وحرمان الانسان الكوردي من التحكم بمصيره التطوري الاعتيادي، قدم دراسته للسلطة السياسية من الدولة في 12تشرين الثاني1963 فانه يصرح انه قد باشر قبل ذاك التاريخ، من خلال ارساله مجموعة من التقارير الامنية الى الجهات العليا في الدولة، وتجدر الاشارة، ان الصدفة وحدها لعبت دوراً في الكشف عن هذه الوثيقة المهمة ووقوعها في ايدي اشخاص عاملين في حقل العمل القومي الكوردي، الذين قاموا باستنساخها وارسالها الى اوربا كي تطلع عليها الدوائر المعنية بحقوق الانسان هناك. وبقراءة متأنية وتحليلية لما ورد في الدراسة، يتوصل المتتبع الى نتائج مدهشة وتتملكه رغبة عارمة في سبر اغوار تلك الشخصية المريضة نفسياً وانسانياً، التي ابدعت صفحات الدراسة ودمويته وعقليته الفذة في الحاق الاذى بالاخرين وقتلهم وتعذيبهم على الهوية.

في مقدمة الدراسة، اعترف واضعها ان دراسته يعتريها النقص وانها جاءت غير مكتملة، والنقص في رأيه يتمحور بجملة من الاسباب هي “عدم وجود دراسات موضوعية ورزينة تضع الامور في نصابها بالنسبة لمحافظة الجزيرة، التي تستوجب دراسات معمقة وعلمية وحتى المصادر الضئيلة التي استطعت الحصول عليها على قلتها هي تقارير آكثر منها دراسة، حيث تعالج حالة قائمة او تصف حدثاً طارئاً مفصولاً عن الاجوه المحيطة به، لقد كانت تجربتي وخبرتي الخاصة بما عانيت انا من تجربه وبها استفدت من بعض من لهم خبرة كافية في المنطقة السهم الاوفر في الدراسة “(1).

بشيء من التحليل يمكن الاستنتاج، ان رجل الامن البعثي قد اعترف بشكل صريح ان دراسته جاءت ناقصة، على الرغم من كل تلاوينها وجذورها العنصرية الهادفة الى حصر الفكر الانساني الاجتماعي الطبيعي الى حيز موحش من الانانية القوموية العربية وبنسختها البعثية التي افتقرت ولاتزال الى اية بدائل نظرية او عملية حقيقية ذات طابع كلي او جزئي تربطها بسياق التحولات الديمقراطية التي بدأت مترافقة نوعاً ما في الخمسينات من القرن المنصرم من البلاد، ويجب الانتباه هنا الى ان اعتراف الضابط جاء من الناحية التبريرية وليس من الناحية الانسانية، وانه حمل قدراً واسعاً من ابداء الندم والاسف والحسرة على اهمال ضباط امنيين يماثلونه عنصرية لتلك المناطق اثناء خدمتهم فيها، وشعوره ان هؤلاء لم يقوموا بالشكل اللازم لاقتلاع الكورد من اراضيهم وسد كل منافذ الحياة في وجوههم وضرورة اذابتهم في البوتقة العربية، لذا فانه كان يمني النفس ان لاتكون دراسته الاولى، بل واحدة من الدراسات الاكثر ممنهجة لتشويه الحياة في اعين البسطاء المحرومين من الكورد، كما ان وقوفه عند اوجه النقص التي اعترت الدراسة، فيها اشارات ودلالات واضحة الى جملة من الحقائق هي، ان المنطقة الكوردية (الجزيرة) كانت مهملة على الدوام من قبل الحكومات السورية المتعاقبة، بدليل انها كانت محرومة من اية دراسة حتى الامنية فيها، وحقيقة ان اخبار الجزيرة ومعاناتها من الازمات والظروف المعيشية الصعبة كانت تصل الى مسامع رجالات الدولة، ليس عن طريق التسلل الاداري المعروف، بل عن طريق تقارير امنية بحتة يكتبها عناصر امنيون، المفروض بهم ان يلتزموا الجانب الامني وما يتعلق به وليس التدخل في القضايا الحياتية الجانبية، التي هي من واجبات اجهزة الدولة الاخرى، وان السلطات العليا ارتضت لنفسها ان تكون رؤيتها الى جزء مهم من البلاد معتمدة على نظرة امنية ناقصة، وعدم الالتفات الى كل ماله علاقة بالتنمية الاجماعية والانسانية بحياة المواطنين الذين يتبعون الدولة ووجوب التعاطي معهم حسب بنود الدستور، ويوضح كذلك انه كانت لتجربته وخبرته الدور الابرز في كتابة صفحات الدراسة وانه استفاد من ايديولوجية البعث وتوجهاتها العنصرية وان المسألة الكوردية في سوريا هي حسب مفاهيم رجالات الدولة من اختصاص نفر قليل من امهر قادة البعث الامنيين، لاشك انه يقصد هنا اولئك العناصر البعثية التي وجدت في رغبة الفرد الكوردي بالعيش في سلام، مظهراً من مظاهر الخطورة على مفهوم (قدسية العروبة السامية) وتدنيساً للاراضي العربية، الامر الذي يبين ان الكوردي كان يقمع مرتين، مرة من قبل الاجهزة الامنية المسيطرة على ارض الواقع، ومرة اخرى من عناصر تشاركه الجوار وتكيد له وتستعين بالامن في التخلص منه ونسج شرنقة من الخوف اليومي حوله وتخويفه بالانتقام والقضاء عليه، واستكمالاً لآرائه، اشار محمد طلب هلال في المقدمة الى انها “انطباعات خاصة اكثر منها دراسة موضوعية ومركزة، على ان الباعث الذي دفعه للاسراع بها هو الظروف الخاصة التي تمر بها محافظة الجزيرة اليوم وخطورة المرحلة الحالية للاحداث الجارية في شمالي قطرنا العراقي الغالي من اثر، ومدى تأثير كل الاحداث على المحافظة المجاورة من آثر”(1).

ان ماقيل ليس مجرد مقولات عرضية اوعابرة في سياقها النصي المجرد، بل تمثل بدلالة واضحة احدى المستويات الرئيسية الاكثر خطورة في نمط النظام التفكيري الامني البعثي، الذي يتفصل هنا وهناك عبر فضاءات وانماط تميزت بالحقد الى ابعد حدود فهو يعترف ضمنيناً ان دراسته هي ترجمة لتعاليمه البعثية اكثر مما هي دراسة ممهنجة، تعتمد الاساليب البحثية المعروفة وانها اقرب الى كونها محاولات يائسة للبحث عن الحقيقة الكوردية في سوريا، كما ان الاشارة الى ما كان يجري في كوردستان – العراق وادخالها كمادة اساسية في بناء الخطاب الامني جديرة بالاهتمام والدراسة، ويظهر بوضوح ان السلطات السورية عملت عبر مفاهيمها ومسلماتها المرتكزة والمستندة على صخرة معاداة الكورد وطموحاتهم اينما كانوا، وان هذا النسق السلوكي تمثل بابداء الحسرة على عدم قدرة الحكومة العراقية على القضاء على ثورة 11 آيلول 1961 الكوردية، واعتبارها مشكلة حقيقية تثار في وجه النظامين العراقي والسوري، بسبب دعوتها الى سيادة العنصر الكوردي على ارضه التاريخية وامتلاكه لارادته ولادارته، الامر الذي كان يدفع الاجهزة الامنية الى تكريس كل طاقاتها للحد من وصول تأثيراتها الى الكورد السوريين.

في التزام يستوجب الوقوف عنده، صرح واضع الدراسة الى ان الباعث وراء وضعها كان من اجل اهداف معينة “انها خطوط عريضة مع مقترحات احسب انها ضرورية جداً للاطلاع وتكوين فكرة على درجة من الوضوح لكي يتسنى للمسؤولين وضع الخطة، لانه باعتقادي آن الاوان لوضع خطة راسخة لهذه المحافظة وتنقيتها من العناصر الغريبة، كي لايبقى الاغراب ومن ورائهم الاستعمار يعيثون فساداً في هذه الرقعة الغالية ذات الثروة الكبيرة من الدخل القومي وخاصة ان روائح البترول قد اخذت تفوح منها وفي حقولها (رميلان، وقرتشوك) مما يزيد من تعقيد المشكلة”(1).

يتبين الامر جلياً، ان مسؤول الشعبة السياسية في المحافظة، في معرض حديثة عن اسباب اعداد الدراسة بشكل لا لبس فيه، ان المسوغات الفكرية العنصرية الاقصائية هي التي دفعت به لانجاز تلك الكراسة، سواء في محاولاته البادية في تحديد واجبات الدولة العليا في حق الكورد، والايحاء ان الدولة ستكون اكثر استقراراً اذا قمعت الكورد وتجاوز وتجاهل تحقيق رغباتهم وحاجاتهم الاساسية الضرورية، والمناداة لتجييش الدولة قواها في رصد اي توجه كوردي والتصدي له بقوة على اعتبار ان المنطقة مقبلة على وضع جديد، بسبب ظهور مادة النفط على الاراضي الكوردية وان ذلك سيساهم في تغيير ملامح المنطقة مستقبلاً، قد تؤدي الى خلق ارضية خصبة لتطور النظام الاقتصادي الكوردي ونمو اصرار من جانبهم في تغيير انماط تفكيرهم الاجتماعي والاقتصادي الى درجة كبيرة.

ولان الفكر القومي العروبي لدى محمد طلب هلال، يشكل وحدة سياسية متكأة على تمجيد التاريخ وانها هوية مقدسة لايجب المساس بها، لذا اعتبرها مهمة ملقاة على عاتق الاجيال البعثية اللاحقة، كما صرح بشكل متحمس الى حقيقة : “وبحكم عملي في هذه المنطقة رأيت من واجبي اولاً كمواطن ان اقدم هذه الدراسة الى الشباب العقائدي المؤمن برسالة امته ومن تعنيه عناية مباشرة تلك الدراسة من اولئك الشباب على الخصوص”(1).

ضمن فضاء منهجه الفوضوي في الرؤية الاحادية وكيفية التعاطي مع الاخرين، يجهد محمد طلب هلال نفسه تنظيراً وتطبيقاً، مندفعاً نحو خطاب الغاء الآخر وغلق الابواب في وجهه والادعاء والزعم ان الآخر هو الشر بعينه وانه غير نافع ويجب السعي لاقتلاعه والتباكي على وضع لم يحصل البتة، وبدلاً من الالتفات الى العمل على تنمية المحافظة تدزف الدموع العنصرية على وضع حد لحقيقة تنوعها السكاني “هذه القطعة من وطننا الغالي التي حاكت لها الايام ما حاكت ودس لها تعاقب الزمن ما دس حتى اصبحت بما ابتلت به من اهمال وغدر وتأمر، ماهي عليه الأن من فوضى عنصرية ونزاع طائفي ووضع قبلي متخلف ومسرحاً لبقايا قوميات مندثرة اكل الدهر عليها وشرب(2).

يستحضر المسؤول الامني السوري التأريخ وامثلته ومقارباتها ومقارناتها غير الدقيقة في صراحة تنافي حقيقة أن الناس يخلقون مغايرين ومتمايزين دون أراداتهم، ضارباً مثالا من مكونات الفكر الخطابي القوموي العروبي من خلال قولهم “حتى أصبح  أنين الخابور اليوم قوياً ملحا ثائراً غاضباً يذكرنا بأنين يافا”(1).

وفي نمطية فكرية تبعث على الريبة والأزدراء، يستنكر محمد طلب هلال أن تكون الجزيرة حظيت بالاهتمام المطلوب من الدراسات العلمية  بقوله “وما أكثر الدارسين والمستشرقين من مستعمرين زوراً وغيرهم، وهم في حقيقتهم ضباط أستخبارات وجماعة دراسات هدفها وشعارها أن لاتقوم قائمة لدولة أسمها عرب”                   والسؤال الذي يطرح نفسهُ بالحاح، كيف يمكن لهذا الضابط الامني ان يتبجح على الأخرين أنهم غير أختصاصين وهو نفسهُ رجل أمن ذي نزاعات عنصرية وليس مختص وكيف له أن يتهم الأخرين أنهم يهدفون الى أن لاتقوم للعرب قائمة، وهو نفسهُ يصرح بشكل لالبس فيه أن الهدف من أعداد دراسته، السعي لان لاتقوم للكورد قائمة، المؤكد أن ما كان يفتعل من دواخله من نزاعات معينة هي التي دفعتهُ الى طرح ذاك المفهوم، والزعم أنهُ إذا كانت الجزيرة مادة لضباط أمنيين غرباء، فأنهُ أحق بالكتابة عنها من الوجهة الأمنية، وإن الكتابة يجب ان تنتقل الى مستويات الفعل والخطاب العروبي المهيمن على كل مفاصل الحياة في الجزيرة.

يلاحظ أن مبدا التحيز والأنتقاد، مبدأ ذا أهمية بالغة عند مسؤولي الدولة في معرض ضرورة تعاملهم مع أهالي محافظة الجزيرة، محمد طلب هلال  قطع شوطاً كبيرا في هذا التفكير الأشبه بالفكر النازي، حيث لايجد غضاضة في الأستخفاف بالكورد والأستهانة بوجودهم التأريخي وأحتقار تراثهم القومي والأنساني والأفتراء على دورهم الحضاري المميز في المنطقة بقولهِ “حتى أصبحت اليوم مهددة تدق ناقوس الخطر مستصرخة الضمير العربي الحي لأنقاذها وتطهيرها من كل الشوائب والزبد التأريخي لتعود مساهمة فعالة كأخواتها من محافظات هذا القطر العربي”(2).

من المؤكد، ان المسؤول الامني السوري كان يهدف الى انكار حقيقة أن الكورد يشكلون شعباً مثل غيره من الشعوب وبالتالي يترتب على هذا الأقرار السماح لهم ببعض من حقوقهم، لذا كان لزاماً عليه أن ينسف الوجود الكوردي التأريخي من خلال أدعاءاته”إن المقاييس العلمية لايمكن أن يجمعهم وتؤكد ميزاتهم الجنسية والعنصرية ” وبذلك يتضح أنهُ كان يبرر الأساءة اليهم على أعتبار أنهم لايشكلون أمة معروفة من أمم الأرض ولم تسلم اللغة الكوردية من ذاك الهجوم العروبي ولم يجد وصفاً يصف به اللغة الكوردية أحسن من وصفها بانها “وهي ليست بالأصل الا لهجات خاصة كلغة (النور) [الغجر] ليس الأ”(1).

بعد بذل الجهود من اجل تثبيت تلك المعطيات الخاطئة، يتوصل الى نتيجة “ليس هناك أمة كوردية لأنها فاقدة لمقومات الأمة ويترتب على هذا أنهُ ليس هناك موطن قومي للأكراد، بل هناك أناس من سكان الجبال أعطتهم الطبيعة صفة خاصة كأي سكان منطقة معينة يمكن أن تعطي سكانها صفة خاصه”وكأن رجل الأمن أصبح خبيراً في علم الأجناس والأنثروبولوجيا، ضليعاً بعلوم التأريخ والأمم وقائماً على ميزان تصنيف الشعوب على أنها تشكل وحدات متميزة او غير ذلك، ذلك كله من أجل ألغاء صفة الشعب عن الكورد، الذين شكلوا ولايزالون القومية الثانية في البلاد من خلال”لايتعدى الشعب الكوردي هذا المجال حيث لا تأريخ لهم ولا حضارة ولا لغة حتى ولا جنس، اللهم صفة القوة والبطش والشدة… وهم اناس يعيشون على ما تقدمهُ الأمم من تراث وحضارات ليس لهم فيها أي سهم ولم يقدموا او يؤثروا على تلك الأمم والحضارات ولا بشعيرة خاصة من أنتاجهم… وهم العوبة بالرياح التي تدفعها المصالح اولاً والحقد للعرب ثانياً…”(2).

بعد كل ذاك التوصيف النابع من نفسية حاقدة على الانسانية والفكر المنغلق على نفسهِ والمنفلت من عقال الشوفينية المقيتة، يتوصل محمد طلب هلال الى معادلة بناها في ذهنه المريض”ليس المشكلة الكردية الأن وقد أخذت في تنظيم نفسها الأ انتفاخ ورمي خبيث نشأ او أنشئ في ناحية من جسم هذه الأمة العربية وليس له أي علاج سوى بتره” وكعادة البعث وادبياته، اصر محمد طلب هلال على أن القضية الكوردية هي من نتاجات الفكر الأستعماري”أجل أن الأستعماريين يعرفون من هم صعاليك الشرق وقطاع طرقه…”، في سعي محموم لالغاء صفة الشعب الحي عن الكورد وان حركته تحمل طابعاً أنسانياً مميزاً وأن لأبنائه الحق في المطالبة بجزء من حقوقهم الطبيعية التي كفلتها لهم كل الشرائع و القوانين العالمية(1).

لعل من المفيد القول هنا، أن المقترحات التي اوردها محمد طلب هلال في دراستهِ هي الأهم، حيث يمكن استشفاف البذرة العنصرية من خلالها والأقرار أن تلك المقترحات أصبحت حجر الأساس والركيزة الداعمة لبناء الخطاب الشوفيني وملهمة البعثيين لتنفيذ أكبر واوسع حملات التعريب في كوردستان – سوريا :

  • على الدولة أن تعمد على عمليات التهجير الى الداخل مع توزيع الدخل ومع ملاحظة عناصر الخطر اولاً فاول.
  • سياسة التجهيل، أي عدم أنشاء مدارس او معاهد علمية في المنطقة لأن هذا أثبت عكس المطلوب بشكل صارخ وقوي .
  • لابد من تصحيح السجلات المدينة، لان الاكثرية الساحقة من الاكراد المقيمين في الجزيرة يتمتعون بالجنسية التركية وان ذلك يجري الان ويطلب ان يترتب على ذلك اجلاء لكل من لم تثبت جنسيته وتسليمه الى الدولة التابع لها.
  • سد باب العمل، لابد من سد ابواب العمل امام الاكراد وجعلهم في وضع. اولاَ غير قادر على التحرك، ثانياَ في وضع غير المستقر المستعد للرحيل في أية لحظة، وهذا يجب ان يأخذ به الاصلاح الزراعي اولاَ في الجزيرة بان لايؤجر ولايملك الاكراد والعناصر العربية كثيرة وموفورة بحمد الله.
  • شن حملة من الدعاية الواسعة بين العناصر العربية ومركزة على الاكراد بتهيئة العناصر العربية لحساب ما وخلخلة وضع الاكراد ثانياَ بحيث يجعلهم في وضع مقلق وغير مستقر.
  • نزع الصفة الدينية عن مشايخ الدين عند الاكراد وارسال مشايخ بخطة مرسومة عرباَ اقحاحاَ. او نقلهم ألى ألداخل بدلامن غيرهم.
  • ضرب الاكراد في بعضهم وهذا سهل وقد يكون ميسوراَ باثارة من يدعون منهم بانهم من اصول العربية على العناصر الخطرة منهم. كما يكشف هذا العمل اوراق من يدعون بانهم عرباَ.
  • اسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية على الحدود، فهم حصن المستقبل ورقابة بنفس الوقت على الاكراد يتم تهجيرهم. ونقترح ان تكون هذه العناصر من شمر لانهم اولاَ افقر القبائل بالارض وثانياَ مضمونين قومياَ مئة بالمئة.
  • جعل الشريط الشمالي للجزيرة منطقة عسكرية كمنطقة الجبهة بحيث توضع فيها قطاعات عسكرية مهمتها اسكان العرب واجلاء الاكراد وفق ما ترسم الدولة من خطة.
  • انشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي على ان تكون هذه المزارع مدربة ومسلحة عسكرياَ كالمستعمرات اليهودية على الحدود تماماَ.
  • عدم السماح لمن لايتكلم اللغة العربية بان يمارس حق الانتخاب والترشيح في المناطق المذكورة.
  • منع اعطاء الجنسية السورية مطلقاَ لمن يريد السكن في تلك المنطقة مهما كانت جنسية الاصلية (عدا الجنسية العربية)(1).

خلاصة لما سبق، يمكن القول ان حزب البعث بتعاليمه وادواته هدف الى احداث القطيعة المطلقة مع مفاهيم العدالة الاجتماعية، واحداث تحول جذري، يتم فيه نزع الملكية من الافراد الكورد، وتمليكها لعناصر عربية وتعميم الفقر والبؤس المتضمن قهر فئة  لفئة اخرى باعنف ما يكون الظلم والغبن.

_________________________________________

 

 

 

 

 

 

(1)  علي صالح ميراني ، الحركة…،ص 189ـ 191.

(1)  الملازم محمد طلب هلال، دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي السياسية ـ الاجتماعية ـ القومية،(اربيل، 2001)، ص 7.

(1) الملازم محمد طلب هلال، المصدر السابق، ص 8.

(1) الملازم محمد طلب هلال، المصدر السابق، ص8.

(1) الملازم محمد طلب هلال، المصدر السابق، ص8.

(2) المصدر نفسه، ص9.

(1) المصدر نفسه، ص10.

(2)  الملازم محمد طلب هلال، المصدر السابق،ص11.

(1) الملازم محمد طلب هلال، المصدر السابق، ص12ـ13.

(2) المصدر نفسه، ص 15.

(1) الملازم محمد طلب هلال، المصدر السابق، ص15.

(1)  الملازم محمد طلب هلال، المصدر السابق، ص66ـ70.

شارك هذا المقال: