الكرد .. دراسة سياسية وتاريخية

غلاف كتاب الكرد دراسة سياسية وتاريخية

شارك هذا المقال:

ترجمة عن الانكليزية: راج آل محمد

يعد كتاب (الكرد دراسة سياسية وتاريخية) من الكتب الهامة التي تتناول التاريخ الكردي خلال فترة قيام جمهورية مهاباد الكردية. ولا تكمن أهمية الكتاب في حجم المعلومات التي يقدمها بل في زاوية عرض تلك المعلومات، فمؤلف الكتاب هو حسن آرفا ( رئيس أركان الجيش الإيراني في الفترة من 1944إلى 1946 وسفير إيران في تركيا من 1958إلى 1961. يقع الكتاب في 178 صفحة من القطع المتوسط ، ويتألف من خمسة فصول سنعرضها تباعاً بالإضافة إلى ثبت المراجع ومسرد بأسماء العلم والأسماء الجغرافية وفهرس الأعلام والعائلات والعشائر ومقدمة قصيرة يبدأها بما يلي

 ” قد يتساءل القارئ كيف يمكن لضابط إيراني قاتل ضد الأكراد لسنوات في المناطق الحدودية أن يكتب بتجرد وموضوعية عن تاريخهم ، وأوضاعهم وطموحاتهم دون أن ينحاز لصالح بلده الذي يضم أقلية كردية تقدر بحوالي مليون نسمة.

يعترف الكاتب بدقة مهمته، وقد تفادى أخذ عدالة القضية من الناحية السياسية والأخلاقية في اعتباره أو الحلول المطروحة والمرغوبة سواء من وجهة نظره، أو نظر بلاده ، بل اقتصر على طـرح الحقائق التاريخية المعـروفة والتي لا يمكن إنكارها” ولكن هل استطاع المؤلف أن يكتب

” بتجرد وموضوعية” ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال استعراضنا لكتابه.

1-الفصل الأول: موجز تاريخ الكرد.

بعد استعراضه للنظريات المتعلقة بأصول الشعب الكردي – وهذه النظريات لا تختلف كثيراً عما أورده غيره من المؤرخيـن – فالأكـراد يقول المؤلف ، بنـاءً على ما اتفـق عليه الاثنولوجيون

( علماء الأعراق) ( خليـط بين الفرع الميدي من الآريين والسكان الأصليين من الجوتيين وغيرهم) ص1 يأتي المؤلف إلى ذكر اللهجات الكردية: فالكرمانجية هي اللهجة الرئيسية في تركيا وإيران والعراق وأنها تكتب بالأحرف العربية.

لايأتي المؤلف على ذكر  أكراد سورية الذين يتكلمون اللهجة نفسها، كما إنه  ينسى أن الأحرف اللاتينية هي المستخدمة في تركيا وسورية.

ويقول: ((…اللهجتان الرئيسيتان هما الزازائية في الشمال والكرمانجية في الوسط وفي الجنوب وتضاف إليهما الكورانية التي يتكلمها أكراد كرمنشاه ).

بعد ذلك يقول: ( يمكن القول بأن الزازائية مفهومة من قبل الأكراد الذين يتكلمون الكرمانجية ، مثلما يفهم اللوري من الكورانية ) ص 4

وفي معرض تقييمه لدور الكرد في تاريخ المنطقة يقول : ( رغم إن المروانيين والحسنويين من أصول كردية، لكنهم يعدون عرباً لأن تعيينهم كان يتم من قبل الخلفاء ولأنهم اعتمدوا اللغة العربية لغة رسمية لهم ) ثم يقول : (رغم إن المروانيين والحسنويين من سلالات كردية نقية وحكموا جزءاً كبيراً من مناطق يسكنها الكرد، إلا أن الكرد اليوم نادراً ما يأتون على ذكرهم ، فهم يفتخرون بمآثر صلاح الدين الأيوبي رغم انه لم يشدّد على صلاته الكردية ) ص 8

إن اعتبار المروانيين عرباً لمجرد تعيين حكامهم من قبل الخلفاء ليس منطقياً، وإلا لأعتبر العرب وغيرهم من الشعوب أتراكاً لأن تعيينهم كان يتم من قبل الباب العالي طيلة فترة الاحتلال العثماني.أما بالنسبة للغة واعتبارها مقياساً على أن من يعتمد لغة شعب آخر يصبح من ذلك الشعب فهو الآخر أمر غير منطقي .إن عمالقة الأدب المكتوب باللغة الانكليزية ( برنارد شو ، صاموئيل ، بيكيت ، جيمس جويس ، يتيس …وغيرهم ) من أصل ايرلندي، ولكننا لم نسمع أحداً يقول ان هؤلاء بريطانيون. ولم نسمع كذلك من يقول أن ماركيز كاتب اسباني لأنه يكتب بالاسبانية . النقطة الأخرى هي أن أكراد اليوم لا ينكرون دور المروانيين ويكاد لا يخلو كتاب أي مؤلف كردي من ذكرهم.أما بخصوص صلاح الدين وعدم تشديده على كرديته فإننا يجب ألا نحكم على صلاح الدين من خلال مقاييس عصرنا . ففي ذلك الوقت لم يكن الشعور متبلوراً ومثلما كان ( ريتشارد قلب الأسد ) يقاتل تحت راية المسيحية كذلك كان صلاح الدين يقاتل تحت راية الإسلام ،ومع ذلك فقد عّين معظم أقربائه الأكراد على البلدان الخاضعة لسيطرته حتى بتنا نقرأ عن ( الحقبة الأيوبية ).

في القرن الرابع عشر تتعرض كردستان، مثل بقية مناطق آسيا الوسطى، إلى الغزو المغولي بقيادة تيمورلنك الذي فتح إيران ثم اتجه إلى العراق وشماله حيث استولى على الموصل عام1394ومن هناك سار باتجاه دياربكر وماردين.ويقول المؤلف إن الكرد لم يتضرروا كبقية سكان السهول في العراق وإيران ويعزو سبب ذلك إلى:( أن الكرد في ذلك الوقت كانوا على الأغلب من الرحل يعيشون في الوديان السحيقة أكثر منها في المدن التي سكانها الأرمن والنسطوريون .فهم( الكرد) لم يكن لديهم جيشاً نظامياً يطارده المغول، بل كانوا يشنون حرب العصابات ) ص 13.

بعد الغزو المغولي حكمت كردستان سلالات قره- قونيلة وآك قونية : ( كانت هذه السلالات الحاكمة تعتبر نفسها إيرانية …والكرد الذين خضعوا لتلك السلالات الحاكمة ، اعتبروا أنفسهم جزءاً من الأمة الإيرانية الكبيرة، رغم أن تلك الأمة لم يكن لديها كياناً سياسياً حقيقياً في ذلك الوقت كونها مقسمة إلى إمارات صغيرة ).

إن هاتين السلالتين كما يشير محمد أمين زكي ، وكما يشير اسمهما أيضاً، كانتا تركمانيتين وبعد الغزو المغولي وهروب حُكام هذه السلالة ( قرة قوينله ) ( بعد وفاة تيمورلنك عاد قرة يوسف أمير ( القرة قونيليه ) التركماني… إلى كردستان والتجأ إلى الأمير شمس الدين البدليسي الذي غمره بعطفه وزوجه ابنته…فاعترف الأمير قره يوسف هذا سنة (82.هـ -1417م ) رسمياً باستقلال إمارة بدليس)[1].

بعد معركة جالديران 1514 وجد الكثير من الزعماء الأكراد ممن كانوا ( يتزلفون إلى الشاه ) أنفسهم في ظل الحكم العثماني فقدم 25 زعيماً كردياً فروض الطاعة للأتراك وبذلك فقد الإيرانيون السيطرة مؤقتاً على المنطقة الممتدة من شمالي زاغروس وحتى دياربكر وموصل إلى أن تم التوقيع على معاهدة أرضروم في العام1639 وبموجبها رُسمت الحدود بين الإمبراطوريتين بشكل يماثل الحدود القائمة حالياً.

بعد رسم الحدود بدأ الإيرانيون والأتراك يتوددون للكرد ويدعونهم للعلب دور فعّال في المعارك المستمرة بين الصفويين والعثمانيين، فأدرك الأكراد أهميتهم لذلك تمردوا كلما حاولت الحكومتان الإيرانية والعثمانية فرض الضرائب أو تجنيدهم أو كما شعروا بأن هناك انتهاكاً لحقوقهم : ( فإذا نجح تمردهم حاولوا إيجاد أفضل صفقة لمصالحهم الآتية، وان لم ينجح عبروا الحدود غير المحمية إلى دولة مجاورة واخذ ملاذ آمن مع القبائل الكردية التي تعيش في ذلك الجزء والبقاء هناك بانتظار وقت أفضل ) ص16

يكرس المؤلف الصفحات من 17-20 للحديث عن الإمارات الكردية في القرن السادس عشر، بعد ذلك ينتقل إلى مرحلة جديدة ألا وهي انتفاضة الشيخ عبيد الله النهري في عام188.ثم الحرب العالمية الأولى وحتى معاهدة سيفر1920.ومواقف الدول العظمى يدرك رشيد باشا، والي سيواس ، القوي والمخلص للسلطان أن يحد من التمردات الكردية حتى وفاته في العام1836 نظراً لعدم وجود أي نوع من التعاون بين الزعامات الكردية ، فقد كان كل منهم يقاتل لمصلحته، وبذلك بدت فكرة استقلال الأمة الكردية غريبة عليهم ) ص23

في هذه الأثناء تندلع الكثير من الانتفاضات الكردية ، منها انتفاضة المير محمد الراوندوزي 1826الذي هُزم بعد مناشدة السلطان له للتضامن الديني وكان ذلك في عام1836 . وكذلك انتفاضة بدرخان 1821 الذي أقام تحالفاً قبلياً واستطاع أن يسيطر على مناطق واسعة شملت دياربكر،وسيرت،ويرانشهر،السليمانية وحتى مهاباد ولكنه دُحر أخيراً على يد عثمان باشا   نفي بدرخان ولكن جذوة الانتفاضة لم تنطفئ فأثناء الحرب التركية – الروسية 1829-1855 حاولت الروس استمالة الأكراد وذلك بإعطائهم وعداً بالحكم الذاتي وشكلوا كتيبة منهم وتحت أمرة ضباط من الروس.فانتفض أولاد بدرخان ولكن انتفاضتهم انتهت بانتهاء الحرب الروسية.هذا ما يقوله المؤلف،أما الحقيقة فهي أن من انتفض بعد وفاة بدرخان هو ابن أخيه يزدان شير- الذي ساهم في دحر ثورة عمه بعد تعاونه مع الأتراك.

في العام 1880 فكر الشيخ عبيد الله بإقامة دولة متمتعة بالحكم الذاتي في ظل سيادة السلطان وقد غزا إيران لهذا السبب فلاقت فكرته تلك استحسان الحكومة التركية معتقدة بأنها بذلك سوف تفرض سلطتها على أذربيجان الغربية وإقليم كردستان في إيران . حشد الشيخ عبيدالله عدة آلاف من المقاتلين فدخل مهاباد من الجنوب وبعد انضمام قبائل أخرى إليه احتل مياندواب. وانضمت إليه المزيد من القبائل وأراد أن يهاجم تبريز ولكن القوات الإيرانية كانت له بالمرصاد حينها تخلت عنه العشائر ( التي يبدو أنها انضمت إليه من أجل السلب والنهب ) كما يقول المؤلف – فما كان منه إلا أن اتجه صوب تركيا. وبعد عدة شكاوى من الحكومة الإيرانية اعتقلته السلطات التركية وأرسلته إلى استانبول وبعد فراره من هناك اعتقل مرة أخرى وأرسل إلى مكة حيث توفي هناك في العام1882

2-الفصل الثاني: الكرد في تركيا:

بعد عرضه للمجازر التي يعزو الكاتب ارتكابها من قبل الكرد والأتراك بحق الأرمن، يعرض المؤلف ردة فعل الأرمن فبعد غزو الروس لتركيا وكانت جحافلهم يقودها متطوعون من الأرمن من القوقاز ومن داخل تركيا أيضاً ويقول:

(…لكي ينتقم المتطوعون الأرمن لمواطنيهم الذين قتلوا على يد الأكراد، ارتكبوا كل أنواع التجاوزات ، إذ قتـل أكثـر من 600 ألف كـردي في الولايات الشـرقية لتركيا بين 1915-1918 ) ص 26

أ-انتفاضة الشيخ سعيد (1925) بعد عرضه لملابسات إعلان الثورة قبل موعدها المقرر في 21 آذار يأتي المؤلف على ذكر موقف الحكومة التركية التي فرضت الأحكام العرفية في الأقاليم الشرقية ولكن : ( العديد من النواب الجمهوريين المتشددين طالبوا بإعلانها في طرابزون واستانبول أيضاً ) ويعزو سبب ذلك إلى أنهم فهموا بأن : ( قسماً كبيراً من السكان الأتراك يتعاطفون مع أهداف المتمردين) ص36 .

الجدير بالذكر أن أهداف الثورة كما يحددها المؤلف هي:( إعلان الجهاد ضد الإدارة التركية الكافرة والقضاء على الجمهورية وإعادة تنصيب السلطان – الخليفة محمد سليم ابن السلطان عبدالحميد) ص34 لاستقطاب وكسب الرأي العام التركي قالت الحكومة بأن الدين هو السبب الظاهري فقط ،أما السبب الحقيقي فهو إعلان كردستان مستقلة والاتحاد مع أكراد العراق ، وأشارت إلى أن قوى خارجية( بريطانيا) قد تكون وراء ذلك.بعد الانتصارات التي حققها الثوار حشدت الحكومة قوة كبيرة تقدر بنحو35 ألفاً فطوقت قوات الثورة وبذلك منعتهم من التراجع والتوجه صوب الحدود الإيرانية والعراقية. بعد ذلك تم إلقاء القبض على الشيخ سعيد وتسعة من رفاقه وحُكم عليهم بالإعدام بينما سجن الآخرون.وهكذا قمعت الحكومة التركية الثورة ولكن بعد أن كلفتها مليوني ليرة بوشر بعدها بسياسة التهجير حيث نُقلت بعض العشائر إلى مناطق اضنة.

( بعد فشل التمرد الكردي في العام1925، والذي قاده الشيخ سعيد، فقدت الحركة الكردية شخصيتها الدينية والعثمانية وأصبحت قومية تماماً وتشمل في الوقت نفسه المناطق الكردية في تركيا والعراق) ص38

بعد ذلك ينتقل الكاتب للحديث عن انتفاضة إحسان نوري باشا (1927 ) والتي دامت ثلاث سنوات في شمال وشرق جبال آرارات ويورد بياناً وزعته قيادة الثورة سراً كردستان تركيا والعراق وسورية وفي بيروت وباريس إضافة إلى عصبة الأمم ، كما يقول المؤلف وفيما يلي ترجمة البيان:

( أيها الأخوة الأكراد ، إنكم جديرون لأن تصبحوا أمة عظيمة ، فكيف تسمحون بان تعيش الأمة الكردية النبيلة كالعبيد في قيود الأتراك بينما أنجزت بقية الأمم استقلالها ؟ لقد وعُدنا بمنطقة حرة شاسعة بين العراق وإيران ، فانضموا إلى النضال الذي بدأناه لتحرير إخوتنا من النير التركي ولكي نحرر هذه الأراضي التي نحن أصحابها منذ عدة قرون) ص41 .

في هذه الأثناء كان الزعماء الأكراد في سورية أثناء الانتداب الفرنسي يتوقدون حقداً على الأتراك وبمساعدة وتحريض من ثريا بدر خان وقادر خان ؟ (يقصد قدري جان ) وحاجو نظموا قوة مسلحة لمساعدة الثوار . عبر حاجو الحدود ورجع إلى سورية بعد مهاجمة من القوات التركية : ( إن انتقال الكرد في سورية لمساعدة إخوانهم الذين يقاتلون في الشمال ، على بعد 400 كم كانت أول إشارة للتعاون بين العناصر الكردية التي لا تربطهما أية مصالح شخصية أو محلية …) ص42 .

إن الوحشية التي قمع بها الأتراك هذه الثورة خلقت انطباعاً أولياً لدى المؤلف بأن الكرد سوف يخضعون للجمهورية التركية والحكم العلماني ولكن : ( هذا الشعب المتمرد الذي لا يقهر سرعان ما أبدى كرهه التام للخضوع السلبي…) ص42 وهكذا ولدت ثورة سيد رضا في ديرسم من رحم ثورة إحسان نوري باشا.

اندلعت هذه الثورة في منطقة ديرسم احتجاجاً على إقامة مخافر للجندرمة التركية في المنطقة وإقامة المدارس التركية وشق الطرق- ودائماً حسب ما يقول المؤلف – فهاجم الثوار مواقع الجندرمة وأصبحت المنطقة تحت سيطرتهم فحشدت الحكومة التركية قواتها في ازربيجان وارضروم وملاطية ودياربكر حتى لا يمتد تأثيره إلى المناطق الأخرى، وبذلك ضيقوا الخنادق على قائد الثورة ومقاتليه الذين لاذوا بالفرار إلى الجبال معتقدين أن تضاريس المنطقة وظروف الشتاء ستمنع القوات التركية من التقدم حتى مجيء الربيع ، على أمل أن ينضم إليهم الأكراد في المناطق الأخرى . ولكن يبدو إنه لم يكن هناك اجماعاً بهذا الخصوص حيث حوصر سيد رضا وأتباعه وكانت النتيجة إعدامه مع إبنيه ، بينما حوكم الآخرون بالسجن.

جدير بالذكر أن بعضاً من الكرد في سورية حاولوا الانضمام إلى الثورة لتخفيف الضغط على الثوار ومن بين من يذكرهم المؤلف ( جميل سيدا ) وينقل المؤلف عن جريدة الأخبار الدمشقية (22تشرين الثاني 1927) أنه تم إجراء مراسم الدفن في جامع الأكراد بدمشق للزعيم الكردي وبقية الضحايا. من نتائج هذه الثورة كان تهجير نحو خمسين ألفاً من العشائر التي ساهمت في الثورة إلى بقية الولايات.

3-الفصل الثالث : الكرد في إيران.

يبدأ المؤلف هذا الفصل بالحديث عن الحياة الاجتماعية في كردستان إيران بقوله بأن الكرد هناك يشبهون إخوانهم في تركيا من حيث نمط العيش فهم أشباه بدو وأنصاف حضر . إذ أنهم يسكنون القرى في الشتاء وينتقلون إلى المراعي في الصيف . ويعيشون في ثلاثة أقاليم- أذربيجان وكردستان- التي يعترف الكاتب بان جميع سكانها من الأكراد – وفي كرمنشاه حيث يشكلون الأغلبية مع بعض السكان الذين يتكلمون الفارسية . ويبلغ عددهم مليوناً .

عند حديثه عن ثورة سمكو، يبدو أن المؤلف يتخلى عن موضوعيته التي حاول التحلي بها في مقدمته. فهو يُظهر سمكو متعطشاً للدماء. بعد قتله للمار شمعون ورجاله في عملية خيانة وغدر غير معهودتين من قبل الأكراد يأتي المؤلف إلى ذكر تفاصيل أخرى فيقول بعد انسحاب القوات التركية من إيران بموجب هدنة مودرس

[ 1918 المترجم ] انضم إلى سمكو نحو 400 جندي من الجيش التركي بمقابل ليرة ذهبية كل يوم فبدأت قوته تتعاظم خاصة بعد حصوله على ثلاثة مدافع تركها الجيش الروسي ، لذلك فكر نائب حاكم أذربيجان ( مكرم ملك) باغتيال سمكو وذلك بإرساله هدية عبارة عن علبة من الحلوى على أساس أنها مرسلة من أم زوجته ، وعندما فتحها سمكو وجد في داخلها قنبلة فانبطح أرضاً حامياً أحد أبنائه وكانت النتيجة مقتل أحد أخوته هو الثاني بعد جعفر آغا الأخ البكر لـ ( سمكو ).

 حشد سمكو قوة كبيرة واحتل رضائية فخاف ( مكرم ملك ) من انتقام سمكو واعتقل شخصين مدعياً أنهما وراء عملية الاغتيال. أمر الزعيم الكردي الحانق باستئصال أوصالهما ومن ثم رميهما من الجرف العالي، حيث قلعته ، إلى الوادي السحيق ومعهم ثلاثة عشر رجلاً من قبيلة

 ( قره جداغ ) باعتبار أن الرجل الذي  قتل جعفر آغا كان من تلك القبيلة وفي العام. ويقول المؤلف أنه في عام 1923 عندما دُحرت قوات سمكو واحتلت الحكومة جيريك (Cherik) “رأيتُ بنفسي عظام أولئك الرجال في قعر الوادي”  ص57 .

وتظهر عدم موضوعية الكاتب عندما يتحدث عن هجوم القوات الإيرانية لـ ( سمكو ) بقيادة الكولونيل الروسي فيليبوف ( قائد فرقة القوزاق الإيرانية ) ويبدي أسفه لأن الأخير لم يستمر في مهاجمة سمكو والقضاء عليه بعد طرده من مدينة شاهبور: “[…] لسوء الحظ ، بدلاً من أن يستمر في نجاحه هذا وذلك بمطاردته والقضاء على سمكو الذي تخلى عنه حلفاؤه من العشائر الكردية ، بدأ معه المفاوضات وبذلك أعطاه فرصة البقاء في جيريك شريطة أن يحافظ على السلم في المنطقة ويكف عن شن الغارات على المناطق المجاورة ” ص 58 .

إن هذه الأسطر تدل على أن المؤلف لا يزال متحاملاً على الكرد ويتمنى لو أنه أستطاع أن يقضي عليهم وعلى حركتهم المسلحة التي تجسد طموحاتهم القومية.

بعد أن يحدد ملامح وصفات الآذريين ( يجدر بالذكر أن المؤلف نفسه آذري ) يرسم صورة سلبية قاتمة عن الكرد “المولعين بالحرب ، وغالباً ما يشكلون قبائل تعيش على القتل واللصوصية بعكس الفلاحين المسالمين من الآذريين” ص58

إثر رحيل فيليبوف عادت إلى سمكو فكرة الاستقلال الكردي وبسط سلطته على منطقة واسعة وصلت حتى أسوار منطقة خوي . فترسل الحكومة في العام 1921 تعزيزات عسكرية  ضخمة ( كتيبة من الجندرمة مؤلفة من ثلاث سريات من المشاة وسرية مدفعية وسريتان من الخيالة ) لمساندة القوات الموجودة هناك أصلاً.

في أيلول من ذلك العام يذهب المؤلف نفسه على رأس جماعة مدعية و يتفاجئ بأن القوات الإيرانية هناك قد تلقت ضربة قاصمة من سمكو وأتباعه حيث قتلوا أكثر من 400 جندي ونجا من الكتيبة فقط 358 رجلاً وكانت معنوياتهم في الحضيض واضطر للاستغناء عنهم . بعد هذا النصر انضمت إلى سمكو أكثر من عشر قبائل كردية . ويقول” وجدت نفسي في حالة ضياع عن كيفية الدفاع عن القطاع” ص59 .

ترى ماذا يتوقع المؤلف من الكرد بعد كل هذه التحشدات والتعزيزات ؟ وهل دفاعهم عن شخصيتهم الكردية ولعٌ بالحرب وحب للقتال ؟

“في تشـرين الثاني أردتُ القيام بهجوم مفاجئ مع سريتين من الخيالة على قرية ازديكان الكردية ، حيث سيفتح موقعها الطريق أمامنا إلى سهول ( سلماس )، ولكن الإقطاعي الآذري الذي تركزتُ في قريته ، والذي كان دليلنا في هذه العملية ، سرعان ما تخلى عنا في منتصف مسيرنا الليلي . فهرب باتجاه الأكراد وحذرهم من الهجوم وكانت النتيجة أنهم هم الذين باغتوني بدلاً من أن أباغتهم . ففي الفجـر وجـدتُ نفسي محاصراً من قبل الأكـراد في القريتين ( ازديكان ) و ( استيران ) وهما فرعان من قبيلة ( كورسني ) وبعد قتال ضار دام ست ساعات،  قتل في أثنائها  الحصان الذي كنتُ أمتطيه ، اضطرت للانسحاب مخلفاً ورائي أربعون قتيلاً وتسعة أسرى في يد الأكراد قُدَم هؤلاء الأسرى إلى سمكو الذي طلب من صف ضابط من بينهم أن يشرح له آلية عمل إحدى المدافع التي استولى عليها ، بدأ الرجل بالشرح ، وفجأة صوّب المدفع إلى سمكو الذي نهض من مكانه وأمسك بيدي الرجل مؤكداً أنه فهم تماماً الآن كيف يعمل المدفع . أعجب سمكو بشجاعة الرجل وجرأته لدرجة أنه أطلق سراحه مع رفاقه بعد أن منح لكل واحد منهم ليرة ذهبية تركية كهدية ” ص 60

تستمر التعزيزات الإيرانية ولكن سمكو، الذي استطاع حشد عشرة آلاف مقاتل من القبائل الكردية من مهاباد إلى قتور ومن ضمنهم أيضاً 3000 كردي من كردستان  تركيا ، كان لهم بالمرصاد إلى أن اسـتلم قيـادة الأركان (أمان الله ميـرزا جهانباني ) الذي أمر بتوجيـه قـوة كبيرة إلى ( سلماس ) وتحت الضغط الكبير للقوات الإيرانية تخلى حلفاء سمكو عنه ولم يبق في الميدان إلا قبيلة سمكو ( شكاك ) وأضطر أخيراً إلى الانسحاب والتوجه إلى الحدود التركية وبقي هناك إلى أن جاء رضا شاه إلى الحكم في العام1925 فاستقبل سمكو الذي عاهده على الولاء – حسب ما يقول المؤلف.

بعد ذلك يتعاون سمكو مع حجي آغا زعيم قبيلة الهركي ويهاجم سهول ( سلماس ) لكن رضا شاه يأمر بتوجيه قوة كبيرة بقيادة الجنرال شيباني  وبرفقة شقيق المؤلف ( إبراهيم آرفا ) غير أن التعاون التركي الإيراني ضيق الخناق على سمكو الذي اتجه صوب الحدود التركية التي ما أن دخلها حتى أعتقل وتم تجريده من سلاحه. بعد إطلاق سراحه يعود سمكو إلى إيران ويقول المؤلف أنه ( قتل في مناوشة قرب سنو ) والحقيقة أنه قتل “غدراً بعد أن دُعي في 21 حزيران عام1930  . إلى مدينة شنو للتفاوض مع ممثل القوات الإيرانية إلا أن هذا الأخير دبر مقتله”[2]  ويتهم المؤلف سمكو بأنه :” لم يكن يملك أي طمـوح قومي وأن هدفه كان السلب والنهب وباعتبار إنه لم يستطع أن ينهب جيرانه اتجه نحو الإيرانيين” ص 63 .

أن من يستطيع أن يحشد عشرة آلاف مقاتل – كما يقر المؤلف – يستطيع بالتأكيد أن يغزو أكثرية القبائل من حوله والحقيقة إن هدف سمكو من وراء الاستيلاء على كردستان إيران لم يكن السلب والنهب بل: ( في مسمى منه لتحقيق مطالبه في دولة مستقلة )[3].

2-تمرد الكرد في إقليم كردستان:

يذكر المؤلف في هذا الباب ثورة ( سالار الدولة قاجار ) الذي تعززت صلاته مع الأكراد من خلال زواجه من بنات أمرائهم فنادى سردار رشيد- الذي سبق أن تمرد عدة مرات – كل الأكراد أن يشحذوا الهمم ويساعدوا سالار الدولة. كان الشيخ محمود الحفيد في ذلك الوقت في إيران ، هرباً من البريطانيين ، وكان له نفوذه حتى في إيران وهو أيضاً دعا إلى مساعدة سالار الدولة وعندما تعززت القوات الإيرانية وفاقت عدد قوات سالار الدولة الذي اضطر مع سردار رشيد إلى الهرب إلى العراق في حين فضل البقية من الزعماء الاستسلام بقيت المنطقة هادئة نسبياً والقتال الفعلي الوحيد بين الإيرانيين والكرد قبيل الحرب العالمية الثانية ، كانت مقاطعة ماكو مسرحاً له وذلك حين كلف طابور من الجيش الإيراني لمساعدة الأتراك ضد الجلاليين .

3-التمرد الكردي الأول أثناء الحرب العالمية الثانية بقيادة ( حمه رشيد ) :

بعد احتلال قوات الحلفاء لإيران وجد ( حمه رشيد ) الفرصة سانحة لاحتلال ( بانه) التي أخلاها الجيش الأحمر بموجب اتفاق بين السوفييت والبريطانيين بأن تكون هذه المنطقة ومنطقة سنندج من نصيب بريطانيا . فما كان من آمر الفيلق الغربي في الجيش الإيراني إلا أن أرسل قوة كبيرة لاسترجاع ( بانه وساقز ) بقيادة شقيق المؤلف ( إبراهيم آرفا ) “الذي مُنيت قواته بخسائر كبيرة” كما يقر المؤلف في الصفحة ص68. وتحت الضغط المستمر للأكراد اضطر الجنرال أمين ( الذي عُين مكان إبراهيم آرفا ) إلى الدخول في مفاوضات. تعقد الجلسة الأولى، ويعتقل الأكراد الجنرال أمين ولكنهم يطلقون سراحه في غضون 24 ساعة بعد تدخل السلطات البريطانية. فطالب الأكراد باستقلال كردستان. وقرر آمر القوات البريطانية في سنندج لأنه لا يستطيع حل مشكلة كهذه واقترح عرضها على القيادة العليا في بغداد

” ولكن تمركز القوات الإيرانية في سنندج منع الأكراد من التقدم باتجاه تلك المدينة ، وبعد فترة وجيزة تشتت قواتهم لأنها قوات قبلية ليس لديها لا الصبر ولا الأساليب اللوجستية للبقاء مدة أطول ..” ص69

منتشياً بهذا النصر، قام الجنرال أمين بشن هجوم على مدينة ساقز التي كان الثوار يختبئون في بيوتها، بينما هاجمها ( حمه رشيد ) وبعض الثوار من الخلف فكانت النتيجة مقتل الجنرال أمين وعلي خان حبيب – ذو الأصل الكردي المتعاون مع الحكومة – على يد ( حمه رشيد ) فتشتت القوات الحكومية. أما أكراد قبيلة ( مريفاني ) الذين يئسوا من التدخل البريطاني لاستقلال كردستان فتخلوا عن الفكرة ليس هذا فحسب بل وبعثوا مندوبا : ( إلى شقيقي يقترح نوعاً من التعاون ضد ( حمه رشيد ) ص 69 .

 في أيار 1942 يعين إبراهيم آرفا من جديد لقيادة الفرقة المقاتلة في كردستان ويشكل قوة كبيرة لمهاجمة ( حمه رشيد ) لكنه يتلقى الأوامر بعدم الاستمرار في الهجوم والدخول في مفاوضات أفضت إلى تعيين _ حمه رشيد ) حاكماً على ( بانه) لمصلحة إيران والسماح له بالاحتفاظ بسلاحه بينما بقيت القوات الإيرانية خارج منطقة بانة – سردشت . وفي صيف 1942 تخترق إيران المعاهدة وتحتل بانه.

4-الثورة الكردية في مهاباد (1945-1946 ) :

إن ظروف نشوء وسقوط جمهورية مهاباد باتت معروفة ولذلك سأكتفي بتسجيل ما يتعلق بموقف المؤلف الشخصي فقط ففي أيار من العام 1943 يتلقى المؤلف – الذي شغل منصب رئيس الأركان في ذلك الوقت – اتصالاً هاتفياً من صدر قاضي( شقيق قاضي محمد ) طالباً منه لقاء مع قاضي محمد وسيفي قاضي. عن أجواء ذلك اللقاء يقول المؤلف:

” كان كل من صدري قاضي وسيفي قاضي معتدلين وتوفيقيين وعبرا عن أملهما في أن الحكومة الإيرانية ستأخذ بعين الاعتبار الوضع الخاص للشعب الكردي معبرين عن سعادتهما للتعاون معنا من أجل مصلحة الأمة الإيرانية جمعاء. فيما تكلم قاضي محمد بشكل كبير صراحة متحدثاً عن مظالم سابقة وسوء الإدارة في المنطقة الكردية من قبل موظفين غير أكفاء ، وعبّر عن رغبته في توظيف مدنيين أكراد في المنطقة الكردية ” ص75 .

يرد حسن آرفا على ذلك بكلام فضفاض قائلاً إن الشاه يحب الكرد وكونه إمبراطور فهو ليس حاكماً على شعب معين دون الآخر. فالإمبراطورية تضم الفرس والكرد والآذريين … وكل منهم يحافظ على تقاليده وهم في الوقت نفسه جزء من الأمة الايرانية. وإنه – المؤلف – يعترف بسوء الإدارة وببعض الأخطاء وإنه سيتم تجاوز تلك السلبيات بمساعدة الشعبين كما الكرد قد تقلدوا مناصب هامة في طهران ومناطق أخرى كما أن هناك وزيراً كردياً في مجلس الوزراء “افترقنا كأصدقاء ، ظاهرياً، ولكنني رأيت في قاضي محمد شخصاً صعب المراس ممن سيخلق لنا المشاكل في المستقبل ..” ص76

في هذه الأثناء حاولت القيادة الإيرانية اتباع سياسة الاحتواء بحق الكرد والآذريين ومن أجل تنفيذ هذه المهمة سافر اللواء حاج علي رزمارا إلى غربي إيران ولكنه وجد صعوبة في تنفيذ تلك المهمة مع الجانب الكردي فاضطر إلى : ( دعوة زعماء الكرد في ساقز حيث تم التوصل إلى المقررات التالية والتي وقع عليها الطرفان نوردها كما جاءت في الأصل دون حذف أو تعديل :

1-     يعطي الديمقراطيون الأكراد الأوامر إلى المفارز التابعة لهم بعدم أطلاق النار ، وألا تتقدم أكثر من تلك الأماكن التي تحتلها سابقاً وألا تعزز مواقعها ولا أن تتدخل بالمرور على الطريق.

2-     تفادياً لأية مصادمات تنسحب المفارز الكردية على الأقل مسافة أربعة كيلو مترات عن ساقز وثلاث كيلو مترات إلى شمالي طريق ساقز – سردشت وألا تتجاوز أنهار ساقز وزارنية ( Zarineh ) على أن يتم التصديق على هذا البند من قبل القيادة الكردية العليا في غضون 24 ساعة.

3-     تمتنع الحكومة الإيرانية والديمقراطيون الأكراد عن تعزيز مواقعهم في المنطقة ، على ألا تحلق الطائرات الإيرانية بعد مسافة أربعة كيلو مترات إلى شمال ساقز وإلى شمال طريق ساقز- سردشت .

4-     تفادياً لأي سوء فهم يعين الديمقراطيون الأكراد ضباط ارتباط في كل من ساقز ، بانه ، وسردشت وذلك للاتصال بالسلطات العسكرية الإيرانية .

5-     إن الحد الأقصى لتنفيذ البند الثالث هو الساعة الثامنة صباحاً من يوم السابع من خورداد (28 أيار ) وقعه عن الجانب الكردي 1- اللواء عزت عبدالعزيز 2- الرائد إبراهيم 3- الرائد جعفر كريمي.

استغل الإيرانيون هذه الهدنة لتعزيز قوتهم التي كان الأكراد يهاجمونها لمنع وصولها إلى أمكانها المقررة .

بعد الانسحاب السوفييتي واستسلام قاضي محمد ومحاكمته عسكرياً حُوكم بالإعدام مع شقيقه صدر قاضي وابن عمه سيفي قاضي وذلك في 31 آذار 1947 .

بعد ذلك ينتقل للحديث عن وضع الكرد في إيران في العام1965 وهو لا يهمنا الآن لأنه أصبح من الماضي وتغيرت معطيات كثيرة منذ ذلك الوقت.

4-الفصل الرابع: الكرد في العراق:

يبدأ الكاتب هذا الفصل بأحداث كردستان العراق بعد جلاء القوات العثمانية منها ودخول قوات الانتداب البريطاني ، ويقول أن الأكراد بمعظمهم كانوا يعتبرون الإمبراطورية العثمانية ( موطنهم الروحي ) وذلك بسبب العامل الديني.

الاصطدام الكردي- البريطاني الأول كان بسبب النسطوريين الجيلوس والآشوريين الذين وضعتهم بريطانيا تحت حمايتها في مدينة بعقوبة بعد الأعمال الانتقامية بين هؤلاء من جهة والأكراد من جهة ثانية في كردستان إيران. وعندما رأى هؤلاء- ولا سيما الجيلوس- بأن إخوتهم في الدين قد هزموا تركيا أرادوا الرجوع إلى مناطقهم الأساسية، فاتخذوا هناك موقفاً متسماً بالغرور تجاه السكان مما أثار حفيظة السكان المسلمين على البريطانيين الذين اتهمتهم الأكراد بالتحيز والمحاباة للمسيحيين. بعد ذلك اقترح آغا بطرس بأن يستقر الآشوريون في منطقة ما بين برزان وأورامار وشمدينان .”غزا آغا بطرس هذه المنطقة الكردية العشائرية وذبحوا سكانها من المسلمين، لكن العشائر الكردية( البرزانيين ، والزيباريين ، والهركي …) اتحدت واستطاعت أن تجبر الآشوريين على التقهقر حيت استقر بعضهم فيما بعد في نواحي العمادية ) ص110 .

في الصفحات التالية يتحدث الكاتب عن ثورة الشيخ محمود : تنصيبه حاكماً على كردستان في عام1918 وتمرده على الانكليز بسبب تزايد النفوذ البريطاني في كردستان واعتقاله وإطلاق سراحه بعد أن دخلت القوات العثمانية إلى رواندوز والسليمانية. استرد الجيش العراقي مدينة راوندوز  من جديد في نيسان 1923 وعينت سيد طه حاكماً بديلاً ومن هناك توجه الجيش العراقي صوب السليمانية ، ولأن أحداً من الزعماء لم يستطع فرض سلطته جاء الشيخ محمود إلى السليمانية في الحادي عشر من تموز وأعلن نفسه حاكماً من جديد .لم تتدخل السلطات البريطانية شريطة ألا يتدخل الشيخ محمود في شؤون مدينتي رانية وحلبجة اللتين تم ضمهما إلى مقاطعة كركوك. ولكن الشيخ لم يتمالك نفسه لذلك جاءت قوة عراقية كبيرة احتلت المدينة بعد قصف جوي شديد مما أجبر الشيخ محمود على الفرار إلى الجبال الحدودية ومن هناك بدأ يشن حرب العصابات ضد القوات العراقية، في صيف1927 بدأت القوات الإيرانية بتنفيذ عملياتها في منطقة كردستان إيران مما أجبر الشيخ محمود على العودة إلى كردستان حيث أعتقل ونفي إلى الجنوب ثم سُمِحَ له بالعودة إلى بغداد سنة1933 وبقي فيها حتى سنة 1941 وانتهز فرصة قيام حركة رشيد عالي الكيلاني ففر إلى كردستان وبقي فيها وبعد أن قاد انتفاضة أخرى ، استسلم للحكومة نهائياً.

بعد ذلك ينتقل المؤلف للحديث عن ثورة الشيخ أحمد البرزاني الذي تولى قيادة الثورة بعد مقتل شقيقه عبد السلام . كان الشيخ أحمد يتمتع بمنزلة الزعيم الروحي لقبيلته ، وقد دخل عدة مرات في مواجهة مع القوات العراقية التي كان الطرف الكردي منتصراً فيها لولا تدخل سلاح الجو الملكي البريطاني.

ثم ينقلنا إلى ثورة الملا مصطفى البرزاني فيستعرض في البداية الأحزاب المتواجدة في الساحة الكردية في ذلك الوقت والتعاون بين جماعة البرزاني وحزب هيوا الذين كانا يسعيان لإقامة حكم ذاتي كردي رغم:”أن الخلافات واضحة منذ الرسائل الأولى التي تبادلها الطرفان ” ص125 ويحدد هذه الخلافات بعدم رغبة البرزاني في نقل مراكز القيادة لحزب هيوا من بغداد إلى برزان خوفاً من انتقادات أعضاء هيوا، واستطاع أن يقنعهم بأفضلية بقائهم في بغداد للاتصال مع التنظيمات الكردية من جهة ، وكونه يعمل في منطقة جبلية منعزلة فهو بحاجة إلى الأدوية والذخيرة والأخبار من جهة ثانية.

في عام1945قدم حزب هيوا مذكرة إلى السفير الأمريكي ، لوي هندرسون،يطلب فيها دعم الولايات المتحدة لإقامة حكم ذاتي والشكوى من عدم وفاء الحكومة العراقية للإصلاحات التي وعد بها نوري السعيد وكذلك الشكوى من الحكومة البريطانية بسبب دعمها العسكري للحكومة العراقية. وسُلمت نسخ من هذه المذكرة إلى سفراء كل من الاتحاد السوفييتي والصين وفرنسا.

وفي الأول من آذار يحذر هيوا البرزاني من حشود عراقية للإغارة عليه، فيبدأ البرزاني بتحضير قواته وفي 25 آب 1945 يلحق خسائر فادحة بالجيش العراقي وكالعادة كانت بعض القبائل الكردية ( سورجي ، الزيباري ..) تساعد القوات العراقية التي تمكنت من تضييق الخناق على البرزاني وقواته مما أجبرته على التوجه صوب مهاباد الخاضعة للسيطرة السوفيتية.

الثورة الكردية وحربها ضد العرب:

هكذا يعنون الكاتب القسم الرابع من الفصل الرابع ويتناول فيه عودة البرزاني من منفاه في الاتحاد السوفييتي وعلاقاته الطيبة القصيرة مع عبد الكريم قاسم بعد انقلاب 14 تموز1958

في العام1961 يبعث البرزاني مذكرة إلى المجلس الثوري العراقي بقيادة قاسم يلخص فيها المطالب الكردية بـ : اعتماد اللغة الكردية في المناطق التي يسكنها الأكراد ، وتشكيل قوات شرطة كردية وسيطرة الحكومة الإقليمية الكردية على مقاليد الأمور المتعلقة بالثقافة والخدمات الصحية… وكذلك صرف قسم كبير من عائدات النفط في كركوك وموصل في كردستان على أن تبقى شؤون الدفاع والمالية بيد الحكومة المركزية ، وأخيراً ألا يخدم الجيش الكردي خارج كردستان إلا باذن من الحكومة الإقليمية الكردية. إلا إذا كان ثمة تهديد خارجي.

رفض قاسم هذه المطالب معتبراً إياها تهديداً للوحدة العراقية وسياستها الإقليمية. غادر البرزاني بغداد بينما وضع ابنه لقمان تحت المراقبة من قبل مخابرات قاسم . وبدأ الأول باحتلال التلال والأماكن الاسترتيجية . نتيجة الخلافات بين عبد الناصر وقاسم بدأت إذاعتا دمشق والقاهرة تبثان الحماس في الأكراد وتحثهم على الخلاص من النير العراقي. وبدأ قاسم بقصف القرى والبلدات الكردية.

تذهب حكومة وتأتي حكومة والموقف واحد من الشعب الكردي، إلا أن موقف ( حلفاء ) الأكراد يتغير فبعد أن كان الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية تساند الثورة الكردية ، حتى وصل الأمر بمنغوليا أن تقدمت بطلب إلى سكرتير الأمم المتحدة لإدراج القضية الكردية في جدول أعمال الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة للمطالبة بحل القضية ووضع حد لانتهاكات الحكومة العراقية. ولكن قُبيل افتتاح الجلسة سحبت منغوليا طلبها دون أن تعطي مبرراً. ويستنتج الكاتب أنه كان بتحريض سوفييتي حتى لا تثير الأمة العربية . وينقل عن البرزاني قوله رداً على هذا التصرف.

لا نتوقع الحصول على حقوقنا من خلال المفاوضات في المحاكم العليا، ولكن بالنصر بقوة سلاحنا من خلال نضالنا المقدس للحصول على الحرية ” ص147 .

من جهته غيرّ عبد الناصر من سياسته تجاه الأكراد إذ كفت إذاعة ( صوت العرب) عن بث الحماس في الشعب الكردي والمطالبة بحقوقه وذلك لمجيء عبد السلام عارف إلى الحكم والذي أبدى استعداده للانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة.

بعد ذلك يرتكب المؤلف خطأ فيقول : ( بعد اتحاد العراق مع سورية انضمت التعزيزات السورية إلى القوات العراقية للعمل ضد الأكراد ) ص 147 والحقيقة إنه لم يتم أي نوع من الاتحاد بين الدولتين ولكن البعث السوري دعم البعث العراقي من منطق إيديولوجي قوامه أن ثورة البرزاني موجهة ضد الأمة العربية وهو مدعوم من إسرائيل.

يعدّد المؤلف في هذا الفصل ولأكثر من ثلاث مرات وبالتفصيل الممل أسماء القبائل وزعماءها الذين حاربوا ضد البرزاني.وحتى إذا كان ما يقوله المؤلف حقيقة،فإنه لا يخرج-برأيي–عن إطار كونه كلمة حق يراد بها باطل،فهو يريد أن يبرهن بأن الأكراد غير قادرين على حكم أنفسهم من جهة ولتكريس حالة العداء من جهة أخرى بين الأكراد أنفسهم.

5-الخاتمـة :

يقول المؤلف انه سيحاول في هذا الفصل استجلاء الأمور التي شوهتها الدعاية الكردية والدعاية المضادة لها. ومن أولى تلك الأمور هي مسألة الثورات الكردية التي يعتبرها القوميون الأكراد دفاعاً عن الاستقلال الكردي، بينما الحقيقة – كما يرى المؤلف – هو أن كل الثورات الكردية قبل الحرب العالمية الثانية كانت من أجل مصالح الأمراء أو دفاعاً عن دينهم و”أحياناً للاحتجاج على تدخل الحكومة في معارك طائفية أو قبلية ” ص 156 ويستثني من ذلك ثورتي بدرخان 1826-1846 وثورة عبيدالله النهري ثم يأتي ليقول إن دافع الأول هو الطموح الشخصي بينما دافع الثاني هو عداء الأكراد السنة للآذريين الشيعة من ناحية ولأن الثورة تفسح أمامهم المجال لنهب الفلاحين غير المحميين في مقاطعات رضائية ومياندواب .

لنقارب هذه الرؤية مع ماجاء في كتاب : ( لا أصدقاء سوى الجبال ) المؤلفين غربيين لا يمتان إلى القضية الكردية بصلة، فنقرأ في الصفحة 73 مايلي: ” … اندلعت ثورة أخطر بكثير في كردستان الجنوبية عام1826 قادها المير محمد الراوندوزي ، أمير سوران، وسليل صلاح الدين .أعلن المير محمد الاستقلال عن الباب العالي وبدأ بعلاقات دبلوماسية مع كل من إيران ومصر محمد علي الذي كان لنجاح تمرده أثرا ملهماً في إعلان ثورته…. وكان هدفه- كما أعلن هو في عام 1833م ، على رأس جيش من عشرة آلاف من الفرسان وعشرين ألفاً من المشاة- بأنه: لاشيء سوى توحيد القبائل وفتح كل كردستان وإقامة مملكته مستقلة “.

ثم يقدم البراهين على صعوبة إقامة دولة كردية مستقلة مؤكداً إن الدول الثلاث تتقاسم كردستان مهما اختلفت فإنها ستمنع إقامة هذه الدولة من جهة ومن جهة أخرى لأن الأكراد يعيشون في مناطق جبلية وحتى حقول النفط في العراق والتي”يشتهيها[4] الأكراد فإنها واقعة في مناطق سكانها خليط من العرب والأتراك الذين يزيدون عن الأكراد في كثير من المقاطعات) ص157

يغض المؤلف نظره عن عمليات التعريب لتغيير التركيب السكاني ( الديمغرافي ) للمنطقة عموماً ولمنطقة كركوك بوجه خاص. ولكن المؤلف يعود ليقول بأنه ثمة دول استقلت دون أن يكون لديها هذا الزخم الاقتصادي وإنما لإرضاء شعورهم القومي بالاستقلال ويذكر مثالاً على ذلك سلوفاكيا وكشمير.

وفي معرض دفاعه عن عدم السماح بتعليم اللغة الكردية في المدارس يقول – بما معناه- أن اعتماد أكثر من لغة يعرقل العمل الإداري كما أنه يثقل كاهل  الطلاب . وحتى يغلق الطريق أمام المناقشة يقول بأن كندا وبلجيكا وسويسرا تشكو من وجود أكثر من لغة دون أن يعطي ولو مثالاً واحداً يعكس وجود مشكلة  من هذا القبيل في تلك الدول. ثم يقول بأن اللغة الفارسية هي الإرث الثقافي الفعـلي لكل سـكان إيـران ويصل إلى استنتاجه هذا لأن ( إيريك رولو )كتب في جريدة( لوموند) بأن سكرتير( ح. د ك ) إبراهيم أحمـد كان يضـع قـرب سريره ديـواناً ( لحافـظ شيرازي ) ويقول بأن الأكراد يحبون لغتهم :” لكنهم فخورون من أن الفارسية لغة أدبهم” ص159

لو أن المؤلف توصل إلى تلك النتيجة لأن الأدب الكردي الكلاسيكي يحفل بالكثير من المفردات الفارسية لكان الأمر قابلاً للمناقشة. أما أن يقـول ذلك لمجـرد أن شخصاً قيادياً يحتفظ بديوان شاعر فارسي فهذا ضيق أفق ناجم عن التعصب القومي . ونتساءل ماذا لو كان شكسبير نفسه فارسياً ؟ الجواب – بحسب منطـق  المؤلف- واضح تماماً- اللغة الفارسية هي لغة الأدب عند كل شعوب العالم باعتبار أن معظم مثقفي العالم يحتفظون بأعمال شكسبير في مكتباتهم. ونتعجب كيف أن المؤلف لم يتوصل إلى النتيجـة بأن الشـاعر الانكليزي ( إدوارد فيتسجيرالد )نفسه فارسي وهو الذي أعجب بـ ( عمر الخيام) أشد الإعجاب فترجم رباعياته إلى الانكليزية !

ثم يعترف المؤلف بأن: ” اللغة الكردية هي بالتأكيد لغة قائمة بذاتها وليست لهجة فارسية ولها لهجاتها الخاصة…” ص159 بعد ذلك يلخص الموقف في الدول الثلاث التي تقسم كردستان:

فتركيا تقول أنتم أتراك ولستم أكراداً، وليس هناك شيء أسمه قضية كردية في تركيا، ولكن يوجد شيء من هذا القبيل في العراق وإيران .

وفي العراق يعترفون بالشخصية الكردية ويوافقون على الحكم الذاتي ولكن بشروطهم أما إيران فتعترف بالأكراد ولكن كجزء من الأمة الإيرانية المتعددة الأعراق وهكذا فليس هناك شيء اسمه قضية كردية في إيران.

المواقف الكردية في الدول الثلاث – يقول المؤلف- أنها في تركيا الصمت والخوف لئلا يُتهموا بالخيانة : ” في إيران لا يقولون شيئاً ليس خوفاً ، فحكومتنا  متسامحة، ولكن لأنهم منقسمون حول الأهداف…” ص160

الحقيقة أن الحركة التحررية الكردية في إيران أكثر تماسكاً من الحركات الكردية في بقية الأجزاء وأهدافهم واضحة منذ تأسيس ( ح.د.ك ) أما التسامح المزعوم فما جرى في مهاباد من أعمال انتقامية من إعدامات وسجن تدل بوضوح على مدى التسامح. وفي العراق الرفض. لا يذكر المؤلف شيئاً عن الأكراد في سورية.

ويختتم كتابه بهذا القول:

( وهكذا ، حتى إذا تم إنكار وجود قضية كردية ، فإن الشعب الكردي باقٍ ) ص160

 


[1] انظر محمد زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور حتى الآن، ترجمة محمد علي عوني-الناشر حسين قاسم قاسم ط1 1985، ص161

[2] انظر الدكتور عبدالرحمن قاسملو، كردستان والأكراد-الطبعة الأولى-المؤسسة اللبنانية للنشر-بيروت 1970ص99.

[3] انظر هارفي موريس وجون بلوج، لا أصدقاء سوى الجبال-ترجمة راج آل محمد ط1-بيروت 1986 ص183. ولإلقاء المزيد من الضوء على سمكو انظر الدكتور علي بعنوان (سمكو رائد البراغماتية الكردية) المنشورة في مجلة ءالاي ئيسلام السنة السابعة العدد الأول، 1996.

[4]  Covetبحسب قاموس Longman تعني الرغبة في امتلاك شيء تعود ملكيته لشخص آخر.

شارك هذا المقال: