الصناعة المعجمية والانضباط المنهجي

شارك هذا المقال:

للدكتور محمد مكري – الترجمة عن الإنكليزية.

صورة المؤلف الراحل ضياء الدين باشا الخالدي 1842-1906م

قاموس الهدية الحميدية نموذجاً

إن الاهتمام الخاص والدائم بالدراسات اللغوية واللهجوية لا يشمل فقط المسح النصي والوصف النحوي والفكري، بل أيضاً، وبنفس الدرجة، الصناعة المعجمية.

لقد وضع المعجميّون العرب القدماء، ومن خلال أعمالهم المتعمقة، اللبنة الأولى عبر الانضباط المنهجي القائم على البحث المنظم المسمى الاستقراء والاستشهاد والرحلة في طلب اللغة. اعتباراً من القرون الأولى بعد الهجرة وبوحي من العقيدة الراسخة، بدأ علماء النحو وفقهاء اللغة في مدرستي البصرة والكوفة بوضع القواعد والمبادئ الصرفية في اللغة العربية. لقد تركز عملهم على توطيد وتثبيت الصيغ (الأشكال) في أدب غني جُمِع وصيغ على شكل نسخة أصلية دون منازغ هو القرآن الذي يُعتبر أنموذجاً صالحاً لكل الأزمنة بعظمته وعمق معانيه إضافة إلى رسالته الشفوية. لكن الجهود العلمية لم تتبع في الشرق الإسلامي بنفس الحماسة، وخاصة منذ القرن السابع عشر فصاعداً بسبب البيئة السياسية والتدهور في العلاقات الاجتماعية المفروضة حديثاً.

مما لا شك فيه أن الاهتمام بالدقة المطلقة في تصنيف الأعمال المعجمية يتعلق من حيث المبدأ باللغة العربية ولغة الوحي التي أصبحت وسيلة التعبير لكل الشعوب التي دخلت الإسلام، فقد لجأ العلماء من كافة فروع العلوم إلى اللغة العربية من أجل التعبير بها وباللغة العربية تم تأليف كل الكتابات الأساسية والأعمال الرئيسية. بحكم امتلاكها للدقة والإحكام،أصبحت الفارسية، التي اغتنت بغزارة من العربية، لغة الإدارة وأداة رائعة للشعر والتصوف. لقد كانت [الفارسية] لغة الكلام والدبلوماسية في الإمارات في أصقاع واسعة من آسيا بدءاً من آسيا الصغرى مروراً بحدود آسيا الوسطى وانتهاءً بشواطئ المحيط الهندي التي امتد إليها تأثيرها. أما بالنسبة للغة التركية التي بفضل اغتنائها باللغة الفارسية والمفردات العربية،فقد باتت تحتل مكانة هامة بعد الحفاظ عليها في أعقاب الهجرات لبعض القبائل التركيةالمنغولية في المناطق التي كانت جغرافياً مناطق ناطقة بالفارسية .

اعتباراً من القرن السابع عشر، حيث طرأت تغيرات على الحياة السياسية في الشرق، بدأت لغات ولهجات أخرى تتطور أيضاً وتخدم قضية القوميات الجديدة ولكن دون أن تصبح كلية منفصلة عن العربية أو الفارسية.

في خضم هذا المشهد الاجتماسي نرى ازدهاراً تدريجياً للبشتو وبزوغاً بطيئاً للأوردو1 اللتان حلتا محل الفارسية التي بقيت مع ذلك، بحكم الظروف أو الحاجة، مصدر الإلهام واللغة الكلاسيكية لما وراء تلك البلاد التي كانت الفارسية لا تزال لغة سكانها.

ينبغي ألا يغيب عن البال حقيقة أنه في خضم تلك التقلبات السياسيةالثقافية بقيت اللغة العربية لغة الطقوس الدينية وأساس الأدب لكافة السكان المسلمين حتى من خارج القومية العربية بتعريفها الضيق.

اللغة الكردية، التي تتألف من عشر لهجات رئيسية، ناهيك عن عدد من اللهجات الثانوية، يتكلم بها نحو عشرة ملايين شخص. وهي تبقى إلى يومنا الحاضر أداة لأدب وفولكلور مناطقي ملؤه الجمال والكياسة. أود أن أتجنب أي جدال لغوي أو خلاف سياسي [ولذلك] وبروح أخوية من أجل توكيد أواصر الوحدة مع الجماعات الإثنية المجاورة التي نشاطرها تقاليد وطموحات مشتركة، فإنني أعتقد أنه من الصواب أن ندوّن كل الاختلافات سواء التي تمت إثارتها بشكل حقيقي أو مصطنع، وعدم القيام بأي شيء من شأنه أن يعرّض للخطر أو يهدد أو يخلق أي خلاف جديد بين اللغات العربية والفارسية والكردية. وكما في الأعمال التي نُشرت في السابق، فإنني أخصص قسماً من دراستي الحالية عن التقسيمات العديدة الصغيرة للعالم الإسلامي بشقيه الإيراني والعربي. إنني أقوم بهذه المحاولات من أجل أهداف علمية محضة لاعتقادي العميق أن كل مسعى بشري أو اجتماعي نحو زيادة المعرفة ينبغي أن يكافح من أجل تقريب وتوحيد الشعوب الذين تربطهم أواصر التاريخ والتقاليد المشتركة.

يندرج موضوعنا الحالي، أي دراسة اللغة الكردية، ضمن الأهداف المذكورة آنفاً: أولاً من أجل إشباع الفضول العلمي وثانياً من أجل القيام بمساهمة في المعرفة اللغوية للهجات المختلفة ضمن المجموعة الإيرانية. في الحقل الدلالي، فإن الدراسة المنهجية التي بوشر بها من قبل في مكان ما سوف تعالج في الوقت المناسب التأثير النحوي والصرفي للغات الفارسية والعربية والتركية على اللغة الكردية. من الجدير بالملاحظة بشكل خاص أن اللغة الكردية، بامتدادها الإقليمي وتنوع لهجاتها، تحتوي، من وجهة نظر لغوية، على الكثير من الثروات غير المكتشفة والتي قد تفصح عن قواعد معينة تتعلق بالاستعمال الصوتي والقواعدي. ريثما نحصل على نتائج الدراسات الأخرى، التي بدأت فعلياً منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فإننا نبقى بعيدين عن البناء تاريخياً لقواعد وصوتيات مجموع اللهجات الكردية ككل. ما يهمنا أكثر، ونحن ندرك بالطبع أنها ليست بالمهمة السهلة، هو التعريف البنوي الدقيق للكلمات المختلفة التي تنتمي إلى لهجة كل منطقة، والأهم من ذلك، هو عدم الخلط بينها. لذلك، فإن الخصائص المتأصلة في المجموعات الفعلية والإسمية وفي شكل الكلمات التي يمكن فحصها بالضرورة من خلال تصنيف مناسب للهجات المختلفة ومن خلال تصوير غير اعتباطي لمناطق اللهجات.

لهجة الشمال، الكرمانجية، وفضلاً عن غناها وفي الوقت نفسه تنوعها لوجود عدة لهجات ثانوية، فإنها تُستخدم من قبل عدد كبير من السكان ذوي الأصول الكردية القاطنين في أذربيجان وأرمينيا وتركمانستان وشمالي إيران وسوريا علاوة على تركيا. منذ 1949 ونحن نعمل على تصنيف قاموس مقارن حسب الموضوع عن اللهجات الكردية في عشر مجلدات (التي، ما لم يعكر شيء ما خطتنا، ستصدر خلال فترة قصيرة) والتي لم يتم تخصيص جزء يسير منها على الإطلاق لصوتيات ومفردات الكرمانجية. في هذه المرحلة من البحث فإن أي دليل لغوي، مهما كان شكله، يُعدّ بالنسبة لنا قيّما ونرحب به بحرارة. فيما عدا المعاجم التي تم إعدادها مؤخراً من قبل العلماء السوفييت2، فإن فقر الصناعة المعجمية الكردية لا تقتصر على لهجات الجنوب فحسب، بل ينبع الفقر من غياب المواد المتعلقة بلهجات المنطقة ولا سيما الشمالية منها، أي الكرمانجية.

من بين المعاجم القيمة الأولى التي تجمع عبارات كرمانجية، فإنني أوكد على أهمية اثنين منها حتى اليوم (رغم بعض التحفظات) أي:

  1. القاموس الكرديالفرنسي الذي ألفه الكسندر جابا والمنشور من قبل ف جوستي في سان بطرسبورغ 1879 )18+463 صفحة) ونشرُ هذا الكتاب مع تعليق نقدي هو جزء من برنامجنا وسوف يُنشر قريباً.

  2. القاموس الكرديالعربي (الهدية الحميدية في اللغة الكردية) تأليف يوسف ضياء الدين باشا الخالدي والمنشور في سنة 1310هجري/1892 ميلادي في استانبول ويقع في (319 صفحة). ويسرنا أن نقدم للمهتمين القسم المعجمي منه فقط. ونحن في انتظار فرصة لإجراء مراجعة أساسية للقسم المتعلق بقواعد اللغة فيه. ثمة بعض الملاحظات اللغوية التصويبية والتوضيحية (التي تم التوسع فيها في ترجمتنا الفرنسية لها والتي هي بحد ذاتها موضوع لدراسة أخرى في مجلد مستقل) والتي ينبغي أن تكّمل البحث العلمي لهذا الكتاب ويكون مفيداً في الميدان العملي.

الرموز المكتوبة والمحكية

كما هو واضح في هذا الكتاب، فإن العبارات الكردية ومعانيها العربية مكتوبة بالحرف العربيالفارسي. لكن المؤلف استخدم بعض الرموز الجديدة لتمثيل العلامات الصوتية للكلمات الكردية (الكرمانجية). هذه الرموز التي أستُعمِلت معظمها قبل نشر هذا القاموس، لا تزال تدل على عدة حروف صوتية وساكنة غير موجودة في اللغة العربية ولكنها موجودة إلى حد ما في اللغة الفارسية.

فحرف e الطويل الذي يُلفظ من الحنك بإغلاق الفم قليلاً الذي يُطلق عليه الياء المجهولة (والتي نرمز لها صوتيا في دراساتنا بـ ë أو ê ) وتُلفظ كـ ya (ي، يـ) مع وضع النقطتين مثال بخيل [في الأصل باخيل]

هذا الصوت هو نتيجة دمج صوتين (فونيمين) هما a وi (أو e وi) وقد أدى ترخيمهما (في المجموعة اللغوية الإيرانية وحتى، من وجهة النظر هذه، لكل المجموعة الهندوإيرانية) وفي كلا الحرفين المدغمين ai وفي مستوى آخر من اللغة (ليس بالضرورة مرتب زمنياً) في الصوت ê يبقيان مع ذلك متميزين عند اللفظ.

الحرف الطويل الذي يُلفظ بفم مغلق (والذي يُشار إليه بـ ôأو öويُقرأ واو وتوضع تحته علامة مثال فرۆتن

إن لفظ هذا الصوت يشبه إلى حد ما صوت û (ou في الفرنسية) ومثل الحرف المدغم aw ولكن دون الخلط بينه وبين آخر صوتين. هذه ô يمكن تتبعها في مجموعة من اللغات الإيرانية (وحتى اللغات الهندوإيرانية)من خلال الفونيمين a وu واللذان أديا إلى مستوى آخر من اللغة إلى الحرف المدغم aw.

الصوت الاحتكاكي الشفويالسني الصائت

الذي نشير إليه بالحرف v ويُكتب على شكل حرف ف وعليه ثلاث نقاط بدلاً من النقطة الواحدة التي تمثل الصوت ف.

لابد من التنويه هنا الصوت v (ينبغي ألا يُخلط مع الصوت w) في اللهجات الكردية ينتمي في الأساس إلى اللهجات الكردية الشمالية، أي الكرمانجية.

الصوت الحنكي الخلفي الصائت

هذا الصوت غير موجود في الأبجدية العربية التقليدية وتُكتب بالفارسية بهذا الشكل گ g الذي يدل على حرف صامت يُنطق من خلف الحنك وهو أيضاً يعلوه ثلاث نقاط لتمييزه عن گ. . لم تختفِ طريقة الإملاء هذه كلياً ولكنها تُستبدل رويداً رويداً بالشكل الفارسي الحالي.

الموائع المفخمة (اللام والراء المفخمة) ليس لهما أي علامة مخصصة حيثما ظهرا. مع ذلك لا يمكن تجاهلهما بشكل تام في اللهجة، حتى وإن كانت بعض المناطق التي تتكلم الكرمانجية تقلل من تفخيمها. على كل هذه الفونيمات (التي اعتبرها عموماً ثانوية) تُعرف من خلال الحروف الصوتية المرافقة لها. عندما يسبق الحرفان المائعان الأصوات ê (الياء المجهولة ) أو ô الواو المجهولة) أو i ، u القصيرة، فإنهما يتحولان حسب اللفظ الجنوبي إلى ل ( لام الحلقية) ويـ أو يـ (راء التي تلفظ بلسان معقوف).

لقد قام المؤلف بشكل صحيح، من دون أن تكون لديه الرغبة في تقديم ابتكار املائي، بتمييز واضح بين t الانفجارية السنية الصامتة وt ما قبل الحننية السنية الانفجارية التي تخص بعض اللهجات الشمالية وتقارب վ الأرمنية بشكلها العامي. هذا الصوت الأخير ليس فونيماً مستقلاً من اللهجة الكرمانجية، ولكنه نتيجة العيش المشترك بين القوميتين: الكرد والأرمن. كان العيش المشترك فيما مضى على نطاق أوسع في المنطقة الجنوبية ولا سيما في جنوبغربي المنطقة الجغرافية التي تعود إلى اللهجة الكرمانجية. وربما تُعتبر بكونها مبادرة إملائية في بعض الكتابات الأدبية أو الشعبية التي كُتِبت بالأبجدية العربيةالفارسية.

بغية الإشارة إلى هذا اللفظ، فقد اختار المؤلف أقرب رمز يمثل الصوت أي حرف ط (t) التوكيدي [هناك نقطة تحت t ولا أعلم كيف أضعها. راج آل] السني والذي يختلف عنه قليلاً . وحتى الكلمات المأخوذة من العربية وتحتوي على ط (t) ، فإنها لا تلفظ بطريقة تشبه العربية ما لم تُحكى بحذلقة. فهذا الصوت في اللغة العربية هو في الواقع خلف سني بينما هو في الكردية شبيه بالأمامحنكي، لأن موقع اللسان يكون في أبعد في الخلف. دعونا نوضح مرة أخرى أنه حتى في الحالات التي يتم فيها إعادة انتاج الكلمات ذات الأصول العربية في الكرمانجية، فإن الكلمات الكردية الخالصة تتطابق مع اللفظ الكردي.

على سبيل المثال فإن كلمة جيط الديكمكتوبة بـ ط (t) بينما الكلمة المأخوذة من الأرمنية (….) والتي تعني عصفور الدوري، فإن الصوت يوافق الفونيم الكردي الموصوف أعلاه ويتطابق مع [اللفظ] الأرمني.

من بين الكلمات التي تحتوي على الحرف (t) وبشكل خاص المجموعة الكبيرة التي صُنِفت تحت باب الكلمات التي تبدأ بـ (t)، فإن هناك الكثير من العبارات ذات الأصول الإيرانية (الفارسية والكردية) التي يُلفظ فيها هذا الحرف في اللهجات الفارسية والكردية ما عدا الكرمانجيةكحرف صامت سني وليس كحرف سكون توكيديط. بسبب هذا المطلب الصوتي، لم يُدرج المؤلف هذه الكلمات تحت باب الكلمات التي تبدأ بـ (t) ولولا ذلك لكان أدرجها. مع ذلك فإن الهدف العام هو، ولطالما كان كذلك، إخفاء الفونيم الثانوي ط لصالح الفونيم ت (t)3.

بما إن الكلمات الكردية مشروحة باللغة العربية، فإن المؤلف اتبّع الترتيب الأبجدي للغة الأخيرة من دون أن يفرد أبواباً للأصوات p وç وj وg فهو يُدرجها على التوالي ضمن أبواب ب وج وز وك ولكنه يرمز لها بشكل دقيق. حتى الآن ما يهمنا هو الصوت v.

في اللهجات الكردية المختلفة (باستثناء اللهجات الجنوبية، الكرمنشاهية، مثلاً) فإن صوت h البلعومي الاحتكاكي الصامت في الكرمانجية يشبه الحاء (ح) في العربية بالإضافة إلى h المزمارية الاحتكاكية الصائتة. هذا الصوت لا يخص فقط الكلمات المأخوذة من العربية بل أيضا العبارات ذي الاصول الكردية والفارسية. خذ مثلاً كلمة (حفت) heft التي تُلفظ في الصورانية hawt/hewt حَوْت بينما في اللهجة الكرمنشاهية تُلفظ (هفت) (لاحظ في الفارسية هَفْت و[ لا أعرف ماذا يعني اختصار AV – راج4] AV هبتا وPahl (البهلوية؟) هفت واللاتينية septe. وحرف ح يتماثل أيضاً مع خ kh في اللهجات الأخرى. وهكذا فإننا نعثر على كلمة (حَري) في الكرمنشاهية على شكل خَري (أي الوحل). وكلمة هشك (أي جاف) التي نجدها في التعبير hisk-bûn أي أصبح جافاً أو hiskirin أي يجفف فلهما نفس الجذر في الفارسية khosk وفي الكرمنشاهية wisk/wusk. إن معاملة wisk/wusk اللتان تماثلان hisk في الكرمانجية وفي الفارسية khusk لا تمثل أية مشكلة حيث أن الحرف الاستهلالي w ليس سابقة بل هو أقرب شكل يمكن أن يعطى للسان المزمار الاحتكاكي أو النفس (السابق لـ i /u في الصيغ أو الأشكال isk/usk) بحرف ساكن أو شبه صوتي. إن تطويل الحرف الاستهلالي kh (مع تباينه بين ح وخ بتنوع اللهجات) أسفر عن إسقاطه مما تسبب في إضافة هذا الصوت السنيالشفوي الاحتكاكي (الذي هو لفظي وليس اشتقاقي)بدلاً من الصوت اللهوي الاحتكاكي خ أو الحلقي هـ وهذه مرحلة أخرى من تطور اللغة. علاوة على ذلك، فإن كلمة حيشتر (الجمل) (في الصورانية hustir وفي الكرمانشاهية hustur, hustir, suture وفي الفارسية sotar /sutur و ustur/ostor وفي البهلوية ustr في حين تضيف عملية شرح هذه التغيرات عنصراً جديداً من خلال إسقاط h بالتتابع ومن ثم إسقاط الحرف الصوتي التالي في المقطع الأول sotar / sutur والذي يشرح الطرق المختلفة التي ظهرت فيها هذه التغييرات للكلمات الأحادية أو الثنائية المقطع.

في الكرمانجية â وa، سواء في بداية الكلمة أو في وسطها يتغيران إلى احتكاكي صائت صادر عن الحنجرة ويرمز لهما صوتياً بحرف ع من الأبجدية العربية. إن الاستعمال الصحيح لهذا الحرف يكشف عن خصوصية صوتية تمنع الخلط (الالتباس) بين â وa مع ô/o باستثناء الكلمات المأخوذة من العربية.

فيما يلي بعض الأمثلة لشرح هذه الحقيقة:

  1. الحرف الاستهلالي â يتحول إلى a:

adamî عدمي › الفارسية âdami آدمي (رجل).

amânj عمانج، الصورانية âmânjî آمانج في الفارسية âmâj آمانج. (الهدف، الغرض).

عسمان asmân › في الفارسية âsmânفي الصورانية asmân آسمان وفي البهلوية âsmân (السماء)5.

عيني، عينك ayne , aynikفي الفارسية âyna آينة وفي الصورانية (سنا) âyna âwêna/آينه

  1. الحرف الاستهلالي a يتحول إلى a: (ع)

ard عَرْدْ الأرض

awr عَوْرْ، وبالفارسية abr وفي الكرمنشاهية awr “الغيم

عَمْبار ambar بالفارسية anbâr أنبار مخزن القمح

عَفْدال avdâl ابدال وصيغته القديمة المماتة abd âl “الدرويش

عَسِرين asrîn في الكورانية أسرين، asr في الكرمانجية من كرداغ (سوريا) istir أو ester وفي الفارسية ašk/asg أشك الدمع)

  1. â في وسط الكلمة تتحول إلى a: (ع)

al çچَعْل (في اللهجات الكردية الأخرى) جال وچال وفي الفارسية چال أيضاً .

دَعْن dan (ثريد الحنطة المسلوقة) في اللهجات الكردية الجنوبية والفارسية dân/dana

معر ma:r في الفارسية واللهجات الكردية الأخرى مار (أفعى)

معسي ma:sîفي الصورانية والكورانية ماسي وفي الفارسية mahi ماهي (سمكة)

تعري ta:rî وفي الفارسية târ îkتاريك مظلم، الظلمة

  1. تغيير a في الوسط إلى a: (ع)

ژَعْر في الكورانية والكرمنشاهية والصورانية ژار وفي الفارسية ژهر (سم)

چَعْفْ وفي الفارسية چشم وفي الكورانية چم وفي اللهجات الكردية الأخرى çaw چاو (العين).

تَعْل وفي الفارسية تلخ وفي الكورانية والكرمنشاهية تال وفي الصورانية طال (مر).

پَعْتِن طبخفقط عند الحديث عن الخبز والأكلات المصنوعة من الطحين، في الصورانية والكورانية pazan وفي الفارسية پختن.

  1. هـ في وسط الكلمة تتغير إلى ـعـ مع ترخيم الحروف الصوتية جَعْنَمْ {جهنم} وهذه الصيغة مذكورة في القاموس.

أما بالنسبة لصيغ من مثل عبانوس الأبانوس” (في الفارسية آبنوس) وعيل êl (قبيلة) وفي التركية îl إيل التي ذُكرت أيضاً في القاموسفهي أيضاً امتداد للأشكال السابقة.

لا بد من ملاحظة صيغة كرمانجية (غير مذكورة في هذا العمل) هي عاني (الجبهة) والتي تشبه الكلمة الفارسية پيشانی.

يُشار إلى الأحرف الصفيرية الشائعة في الفارسية ومعظم اللهجات الكردية في عدد من الكلمات بحرف ظ التوكيدي الاحتكاكي الصائت الصادر من أمام الحنك. ويذكر المؤلف بشكل واضح أن هذا النطق أقرب إلى العامي منه إلى لفظ المثقفين. إنها بالتأكيد حنكية وشبيهة بلفظ الأتراك والعرب السوريين الذين يعيش الكرد بين ظهرانيهم.

تحت باب الكلمات التي تبدأ بحرف ظ حيث لا يرى المرء كلمات كردية فحسب بل أيضاً كلمات عربية من قبيل ظاهر، ظلم، ظلمات، ظن التي يوجد فيها فقط هذا الصوت ظ والكلمة العربية ضلالت التي صُحِّفت عن ظلالت حيث يوجد هنا خطأ بسيط من المؤلف.

على أية حال فإن اللفظ المتكلف إلى حد ما لأجيال من الأتراك الذين عاشوا أثناء فترة الدولة العثمانية قد تأثر إلى حد بعيد بالصوتيات الكرمانجية في تلك الفترة.

من ناحية أخرى يجد المرء تحت باب الكلمات التي تبدأ بحرف الذال النطعي6 الانفجاري الصائت أو بينيسني احتكاكي صائت والذي يُلفظ مثل حرف صفيري في عدد من الكلمات التي حروفها الاستهلالية، في العربية، تكون مشددة” : زحف وذخيرة تتحول إلى زخيرة وذرية تصبح زريت وضعيف تصبح زعيف وزكر بدلا من ذكر وزليل بدلاً من ذليل فيما عدا الكلمات التي تم استعارتها من العربية والفارسية والتي فيها عمليا الصوت ز.

الصوت بينسني الاحتكاكي الصامت في اللغة العربية (ث) يُرمز له بالرمز z أو th لا يظهر في أية كلمة في اللغة الكردية سواء في الكرمانجية أو أية لهجة أخرى.

لا يوجد هذا الفونيم في اللغة الفارسية أيضاً ولكن في الكلمات المأخوذة من العربية فإن الشكل الكتابي يحتفظ به بكل أمانة وهو الحال أيضاً في بعض المعاجم الكردية وهذا ما يجعل دراسة أصل الكلمة وتاريخها قابلاً للتعرف. لذلك فإن أية كلمة في أصل عربي فيها هذا الحرف يحتفظ بلفظه سواء في الكردية أو الفارسية فهو يُلفظ كحرف صفيري صامت. بل إنه يتغير إلى حرف نطعي انفجاري صامت في عدد من الكلمات الكردية (انظر مثلاً في هذا القاموس matala التي يمكننا مقارنتها مع matalفي الكرمنشاهية والصورانية matal وmatal في سنه والتي جاءت كلها من الكلمة العربية مثل.

الحرف الصامت بينالسني الاحتكاكي ذ لا يوجد أيضاً في اللغتين الكردية والفارسية وخاصة في بداية الكلمة. وكما هو الحال مع الحرف الاحتكاكي البينسني الصامت فإنه لا يوجد باب يغطي الكلمات التي تبدأ بالحرف الذي يمثله هذا الصوت.

حتى الكلمات المأخوذة من العربية، فإن الحرف ذ فيها يُلفظ مثل ز. ومع ذلك فإن المعاجم الفارسية ومعظم المعاجم الكردية تحتفظ بشكلها المكتوب وبذلك تشير إلى الأصل العربي للكلمة.

إذا ما سلمنا بذلك، فإنني لا أريد أن أقول أن الصوت )ذ( لم يوجد أبداً في الفارسية أو الكردية. ولكن كما أكدنا للتو فإنه بالتأكيد لا يأتي في بداية الكلمة، ولكن ثمة أشكال قديمة وكلمات معينة في اللهجات الكردية المختلفة التي تحمل مؤشرات عليه.

صوت (ص) الصامت المشددالاحتكاكي قبل الحنكي خاص باللغة العربية ولا توجد في اللغات الفارسية (وفي هذه الحالة في اللغة الكردية أيضاً). من الواضح أن هذا الفونيم بشكله المكتوب (ص) يوجد في الكثير من الكلمات الفارسية والكردية ذات الجذور العربية. لقد تم الحفاظ على شكلها في الكتابة دون اللفظ إذا ما جاء بعد الحرف الأول حيث أنه يلفظ كحرف السين الصفيري الصامت. على الرغم من هذه الملاحظات اللغوية، فإنه من الجدير أن نلاحظ أن صوتيات اللغة الكرمانجية قد وقعت تحت تأثير معين من العربية المشددةإما بسبب العيش المشترك أو عن طريق التركية العثمانية أثناء حقبة [الإمبراطورية] العثمانية. فضلاً عن الكلمات ذات الجذور العربية والتركية، صنّف المؤلف العديد من الكلمات (الكردية والفارسية) تحت باب الكلمات التي تبدأ بحرف الصاد.

ورغم أن المؤلف يفصّل الشبه في لفظ هذا الحرف مع العربية، فإننا من جهتنا نعتقد أن تختلف، على الأقل في الكلمات الإيرانية، حيث أن النطق يكون في الخلف قليلاً أكثر من حرف السين الذي يُنطق من خلف الأسنان أو ربما أو بشكل خفيف قبل الحنك؟

وهكذا فإن الكلمة الإيرانية Sagسَگْ (الكلب) وارد في هذه اللهجة على شكل صه وليس سه.

على النقيض من ذلك فإنه من المألوف أن نجد في الكتابة بعض الكلمات المأخوذة من العربية يتحول فيها الحرف ص إلى س. على سبيل المثال سحت sahhat مصحّفة عن العربية صحت (صحة) sihhat. نظراً للتماثل بين الحرفين ف F وV فقد قام المؤلف بوضع الكلمات التي تبدأ بهذين الحرفين في باب واحد.

بحسب الترتيب الأبجدي فإن الحرف v/w يحتل المكان الأخير ولكن المكان الأول في العربية وما قبل الأخير بحرفين في الأبجدية الفارسية [أنا لا أفهم ما المقصود، ولكن هذه الترجمة الحرفية. راج] ففي هذا القاموس لا يوجد باب للكلمات التي تبدأ بحرف (الواو) ولذلك لسببين:

  1. في اللهجة الكردية الفصحى (الصافية)، على عكس اللهجات الكردية الأخرى، فإن الصوت (واو) لا يأتي كحرف ساكن مستقل أو كحرف شبه صوتي في بداية الكلمة.

  2. قرب نقطة النطق لكل من f وv أدى إلى استعمال علامتين قريبتين قدر الإمكان من بعضهما لضمهما في باب واحد مع أخذ الحذر من عدم الخلط بينهما.

إن ندرة استعمال الفونيم w (الذي نراه غالباً في بقية اللهجات الكردية) لا يقتصر فقط على بداية الكلمة ولكن أيضاً في الحالات التي تكون فيها في وسط وفي آخر الكلمة. المثال النموذجي، من بين أمثلة كثيرة أخرى، هو چعڤ (العين) مع تهجئته المختلفة (چاڤ) الذي ذكره المؤلف على نفس السطر. في أغلب اللهجات الكردية (الصورانية والسنندجية والكرمنشاهية) فإن çaw تحل محل چاڤ. أما الكورانية ففيها بالإضافة إلى ذلك (چام) çam (قارن الكلمة الفارسية چشم). إذا ما وضع جانباً في الوقت الحاضر تغير a/â إلى a (الذي أشرت إليه فيما سبق) فإننا نستطيع أن نثبت حقيقة أنه حتى في الكلمات المنحدرة من نفس الجذر، أي الكرمانجية، فإن v الساكن يُستبدل، في كلمات معينة،بـw شبه الصوتي في اللهجات الأخرى. عندما يُسبق w بحرف صوتي (في وسط أو آخر الكلمة) فإن هذا الفونيم يُغيّر أحياناً إلى حرف مدغم. ولكن من المجازفة القول أن نؤكد على أن الكرمانجية تفتقر كلياً إلى الحروف المدغمة aw (ew/âw) على الرغم من وجود عدة حالات يتم استبدالها بـ v . والحقيقة أننا نجد حتى في هذا القاموس، بالإضافة إلى الكلمات المأخوذة من العربية والفارسية، عدداً كبيراً من الأمثلة حيث تبين التهجئة الحروف المدغمة âw/an والتي تُكتب على شكل ووَ (وليس v). ولكن بدلاً من التركيز على هذه النقطة، دعونا نعود إلى الكلمات عور awr(غيم) وفي الصورانية والموكري والسناي هوْر hawr وفي كرمنشاه هور hawr أو awr أور، وdaw داو (الفارسية دامن) طرف الثوب)، جاو jaw (القماش من الحرير أو القطن) في الفارسية جام أو جاما.

باستثناء بعض الحالات حيث ô (الواو المجهولة) تؤدي إلى تطويل الحرف المدغم ew/âw ، فإننا نجد عدداً كبيراً من الكلمات التي يتماثل فيها ew/âw مع am في اللهجات الجنوبية وحتى في الفارسية. مع أخذ الحذر ، بهذا الصدد، من وضع تصنيف شامل بالمجموعة الإيرانية من اللغات. ونذكر على سبيل المثال زاڤاzava (صهر، العريس) وفي الكورانية زاما وفي الصورانية والسناية والكرمنشاهية zawa زاوا وفي الفارسية داماد damad. Gav “خطوة، مسافة” (في الكورانية القديمة hangam هنكام، والفارسية كام؛ چاڤçav “عين” (هوراماني وكوراني çam والفارسية çašm ونیڤ nêv “نصف” (الفارسية نيم وكرمنشاهي nêw )

بعد أن أشرنا إلى هذه الخصوصيات ومن أجل المزيد من الاستفادة من هذا القاموس، دعونا نلّخص الحروف الصوتية والساكنة في الكرمانجية مسثتنين الفونيمات التي تخص اللغة العربية والتي وصفناها فيما سبق.

حروف صوتية طويلة خلفية [تلفظ] بشفاه مدورة:

آ a(نطق حنكي خفيف)

O الواو المجهولة

û = ou بالفرنسية.

حروف صوتية أمامية بشفاه غير مدورة:

ê الياء المجهولة

î ي

حروف صوتية قصيرة خلفية بشفاه مدورة:

U ُ أُ

حروف صوتية قصيرة أمامية بشفاه غير مدورة:

E أً

i إ

الحرف الصوتي القصير المفتوح o (الذي يُلفظ مثل eu بالفرنسية في كلمة “feuillage” لم يُرمز له برمز خاص بل رُمِز له دونما اهتمام بـ (u, o) zurnâ التي ينبغي أن تُلفظ zorna (تهجئات مختلفة في بقية اللهجات: zorna, sorna, surna ) ).

باستثناء بعض الحالات حيث في المقطع الأول من الكلمة i تصبح صامتة أو تُلفظ بشكل خفيف جداً، فإن هذا الحرف الصوتي، في نهاية الكلمات، يصبح حرفا قصيراً وخلفيا حيث يُنطق من مؤخرة الحنك. من ناحية أخرى عندما تُسبق i بحرف n في نهاية الكلمة، وخاصة في الأفعال،مع الاحتفاظ بميزة اللفظ خلفاً، فإنه يُصبح بغنة (من الأنف).

المقدمة مستلّة من قاموس الهدية الحميدية، تحقيق الكاتب الكردي جان دوست.


1 حلت الأوردو، التي اكتسبت في وقت قصير تراكيب قوية، محل الفارسية وأصبحت اللغة الرسمية لما يزيد عن 150 مليون نسمة في باكستان، غير آخذين بالحسبان قسماً كبيراً من السكان في ولايات مختلفة من الهند وكشمير أيضاً. الأحداث السياسية الأخيرة (1972) جلبت معها انقساماً جديداً حيث أصبحت البنغالية اللغة الرسمية لبنغلاديش التي تمثل نحو 80 مليوناً لتشكل بذلك عائقاً أمام لغة الأوردو التي كانت حتى ذلك الوقت اللغة الرسمية للبلد.

2 بشكل رئيسي قناتي كردو القاموس الكرديالروسي حوالي 34.000 كلمة مع موجز عن قواعد اللغة الكردية (Kurdsko-russkii slovar) Moscow, Gos. Izdat In. Nac. Slov. 1960-896 فاريزوف القاموس الروسيالكردي حوالي 30.000 كلمة Kurdsko-russkii slovar) Moscow, Gos. Izdat In. Nac. Slov. 1957-781 وباكييف C.X. Bakaev القاموس الكرديالروسي تحريرOrbali حوالي 14.000 كلمة مع موجز عن قواعد اللغة الكردية Kurdsko-russkii slovar) Moscow, Gos. Izdat In. Nac. Slov. 1957-619 وسيابندوف وجاجان القاموس الأرمنيالكردي (بالحروف الروسية والأرمنية) حوالي 23000 كلمة.

3 بدلاً من الانحياز مع أولئك الذين يتبنون الحل البسيط الذي أصبحوا بموجبه معّربين، فإن المرء يتساءل فيما إذا كانت الأشكال المماتة (المهجورة) للكلمات الفارسية طشت، طبانجة، طبيدن وطورالخ التي تُكتب تشت، تبيدن وتبانجة وتور بالإضافة إلى أسماء بعض الأشخاص والأماكن ليست نتيجة لفظ بإحدى اللهجات.

هذا التعليق ينبغي، من وجهة نظرنا، أن يتم الحديث عنه بشكل مفصل في وقت لاحق. مهما يكن من أمر، فإنه ينبغي ألا نهمل الإملاء العربي

الفارسي الذي يناسب بعض الكلمات التركية الدخيلة إلى العربية والفارسية والكردية والأورديةالخ.

4 قد يقصد بها المحقق اللغة الأفستائية التي كتب بها كتاب زرادشت. ج. دوست

5 تلفظ أيضاً عزمان (وهذا ما تأكدت منه خلال أبحاثي).

6ملفوظ بوضع اللسان على مؤخر الأسنان الأمامية العليا (راج)

شارك هذا المقال: