الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية في الامارة المروانية بدياربكر

شارك هذا المقال:

الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية في الامارة المروانية بدياربكر

مدارات كرد – دلير محمد طاهر عيسى السبينداري

تتناول دراسة (الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية في الامارة المروانية بدياربكر 380_ 478ه/990_1085م)، للباحث دلير محمد طاهر عيسى السبينداري، الحالة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية في المدن والمناطق التي شكل الكرد غالبية فيهم خلال حكم الإمارة المروانية التي كانت تمثل إحدى الإمارات المحلية الموالية للخلافة العباسية في اقليم ديار بكر، وحصل أمرائها على تأييد الخلفاء العباسيين وعملوا على المحافظة على ولائهم للخلافة العباسية، وقد ساعدهم ذلك على القيام بدور سياسي وحضاري في إقليم الجزيرة، فأصبح لهم نفوذ سياسي في المنطقة، وأثبتوا مقدرة سياسية خلال حكمهم لها، وشاركت قوميات ومكونات هذه الإمارة وفي مقدمتهم المكون الكردي الذي شكل الغالبية من سكانها بشكل فعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية لإقليم الجزيرة، وذلك خلال الحقبة التاريخية المحصورة من تأسيس تاريخ الإمارة المروانية وحتى سقوطها، وتميزت تلك الإمارة بشخصيتها من حيث الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن العلمية ووفرة العلوم المختلفة سواءً الشرعية منها أم التجريبية أم اللسانية والإنسانية، هذا إلى جانب وجود المؤسسات التعليمية وبروز علماء كُرد كثيرين فيها.

وعلى الرغم من أن مثل هذهِ الدراسات التي تشمل الجوانب الحضارية لم تنل اهتمام المؤرخين والدارسين للفترة المروانية، لاسيما وأن المؤرخين المسلمين وبعض الباحثين قد ركزوا جهودهم في البحث عن النشاطات السياسية والعسكرية بشكل أكبر من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، فكانت الحاجة ملحة إلى وضع دراسة أكاديمية تشتمل على تلك الجوانب الهامة الثلاثة من تاريخ الحضارة الإسلامية، ومن تاريخ الكرد في تلك المرحلة التاريخية المليئة بالأحداث ووجود العلماء ونتاجهم، وفي ذلك محاولة لتسليط الضوء على أصالة الحضارة الإسلامية بشكل عام وتاريخ الكرد على نحو خاص.

وقد تم الاعتماد على المنهج التاريخي التحليلي في تناول موضوعات الدراسة، وكذلك سرد الروايات التاريخية، وربط الأحداث قدر المستطاع، ومناقشة الروايات واستنباط النتائج كلما دعت الحاجة إلى ذلك من أجل تقديم صورة واضحة لجميع نواحي الحياة في الإمارة المروانية.

وتتكون الدراسة من تمهيد وخمسة فصول فضلاً عن الخاتمة، ففي التمهيد الموسوم بـ “نشأة الإمارة المروانية”، تم تناول مبحثين أساسيين، الأول منها تناول العوامل التي كانت وراء نشأة الإمارة المروانية، فيما تطرق المبحث الثاني إلى دور الأسرة المروانية في تثبيت أركان الإمارة.

وناقش الفصل الأول المعنون بـ “الزراعة والصناعة في عهد الإمارة المروانية”، موضوع الزراعة في الإمارة المروانية من خلال التعرف على أهم الجوانب المتعلقة بموضوع الزراعة ومنها مقومات قيام ونجاح الزراعة في المنطقة، ومن ثم التطرق إلى مصادر الزراعة ووسائل الري المتبعة آنذاك، ومن ثم الدخول في تفاصيل مراحل عملية الزراعة وأنواع المحاصيل الزراعية ثم الثروة الحيوانية في الإمارة المروانية. فيما خُصصت المبحث الثاني لموضوع الصناعة الذي اشتمل على دراسة جوانب هامة في ذلك منها صناعة النسيج والزجاج والأواني الفخارية والصناعات القائمة على المعادن، وكذلك صناعة العطور فضلاً عن التطرق إلى بعض الصناعات الأخرى المتنوعة التي وجدت في الإمارة المروانية.

بينما الفصل الثاني المتعلق بـ “التجارة والمؤسسات المالية” فقد تم تقسيمه إلى ستة مباحث رئيسية، ففي الأولى تم توضيح مفهوم التجارة ومقومات قيامها، فيما تناول الثاني الطرق التجارية الداخلية والخارجية، والثالث أهم المدن والمراكز التجارية في الإمارة المروانية، ومن ثم التوسع في موضوع التجارة الداخلية والخارجية في المبحثين الرابع والخامس على التوالي، لينتهي الأمر بعرض المؤسسات المالية في الإمارة المروانية.

ويعرض الفصل الثالث الموسوم بـ “عناصر السكان القومية والدينية والتركيبة الطبقية” لموضوع البنية الاجتماعية في الإمارة المروانية. وأهم العناصر القومية التي تكون منها المجتمع المرواني الذي بدوره تكون من عدة قوميات أهمها الكرد باعتبارهم من أكثرية المجتمع، فضلاً عن بيان بقية القوميات مثل العرب والأرمن والجرامقة ( السريان) والفرس والترك والعناصر الدينية التي تكون منها المجتمع المرواني الذي بدوره تكون من المسلمين باعتبار أكثرية المجتمع المرواني منه، فضلاً عن النصارى ( المسيحيون) واليهود والمجوس ( الزرادشتية) وأخيراً الصابئة، ثم التركيبة الطبقية التي تكون منها المجتمع المرواني الذي تم تقسيمه إلى ثلاثة طبقات هي الطبقة الخاصة (العُليا) والطبقة الوسطى وأخيراً الطبقة العامة، وفي ذلك تم بيان فئات كل طبقة من هذه الطبقات.

ويوضح الفصل الرابع “العادات والتقاليد والمنشآت الخدمية الصحية”، حيث تم تقسيمه إلى خمس مباحث، خصص الأول لتناول العادات والتقاليد الاجتماعية الملازمة للمجتمع المرواني، والثاني لأهم الأعياد والمناسبات في ذلك المجتمع التي اشتملت على الأعياد الدينية للمسلمين وأهل الذمة، فضلاً عن المناسبات الدينية للمسلمين من ذكرى المولد النبوي وموسم الحج، بينما تم التطرق في المبحث الثالث إلى المناسبات الاجتماعية في المجتمع المرواني مثل الزواج ومراسيمه والاحتفال بالمولود والختان ومراسيم الدفن والتعازي وأخيراً المراسيم الرسمية في الإمارة المروانية. وأما المبحث الرابع فقد تم تخصصيه لوسائل التسلية والترفيه. وأخيراً تم التطرق في المبحث الخامس للمنشآت الخدمية الصحية المشتملة على الحمامات والبيمارستانات التي وجدت في مدن الإمارة المروانية.

وأخيراً فقد خُصص الفصل الخامس “الحياة العلمية ومؤسساتها في الإمارة المروانية”، لتناول دور السلطات السياسية في ازدهار الحركة العلمية والثقافية في الإمارة المروانية، وأهم المؤسسات التعليمية مثل الجوامع والمساجد والرُبط والزوايا وكذلك الكنائس والأديرة وأخيراً المكتبات، وأشهر الميادين العلمية التي انقسمت إلى العلوم الدينية والعلوم اللسانية وأخيراً العلوم التطبيقية.

وقد توصل الباحث إلى مجموعة من النتائج والاستنتاجات في نهاية الدراسة أهمها:

 

  • كانت الإمارة المروانية تتغلب عليها صفة الدولة من حيث المؤسسات التي أنشئت فيها، وطبيعة علاقاتها السياسية.
  • اهتم الأمير نصر الدولة المرواني بالنواحي الاقتصادية حيث كان يُدرك أن ضمان استمرار وسلامة الإمارة المروانية وديمومتها ترتكز على الناحية المالية.
  • لعب الأمراء المروانيون دوراً كبيراً في بناء الأسواق وتأمين طرق التجارة الداخلية والخارجية وتوطيد علاقات الإمارة مع الأقاليم المجاورة.
  • كان لتنوع مناخ إقليم الجزيرة وبالتالي مناطق نفوذ الإمارة المروانية دور كبير في تنوع المحاصيل الزراعية.
  • كان للعديد من المدن التابعة للإمارة المروانية أهمية في مجالات عدة ، إلا أن مدينة نصيبين كانت ذات أهمية اقتصادية ساعدها على ذلك موقعها الجغرافي.
  • انتهج الأمراء المروانيون مختلف السُبل في سبيل الارتقاء على علاقات الحسنة مع القوى الإقليمية المحيطة بها عن طريق الدخول في المصاهرات السياسية.
  • فضلاً عما تقدم فقد ساهم الأمراء المروانيين في تأسيس المؤسسات الخدمية مثل الحمامات والبيمارستانات ، والعمل على توفير الشروط الصحية المتعلقة بالنظافة.
  • رغم تعدد القوميات والأديان في الإمارة المروانية ، إلا أن الكرد باعتبارهم الأكثرية في الإمارة فضلاً عن أنها هي الحاكمة.

_ كان المسيحيون أكثر طوائف أهل الذمة في الإمارة المروانية مشاركة ومساهمة في الحياة العلمية والثقافية.

 

شارك هذا المقال: